بن شريج: الحكومة لا تهتم بالهدر المدرسي يهمها تنفيذ توجيهات المانحين وصناديق التمويل (حوار)

تقارير كتب في 25 نوفمبر، 2023 - 13:00 تابعوا عبر على Aabbir
بن شريج
عبّر

 

تعيش الساحة التعليمية على صفيح ساخن منذ إخراج النظام الأساسي الخاص بموظفي وموظفات التربية الوطنية للوجود؛ حيث قُوبل برفض واسع من طرف الأساتذة الذين وصفوه بالتراجعي لكونه لم يستجب لأي مطلب من مطالبهم المشروعة.

وأمام تمسك الحكومة ووزارة التربية الوطنية بعدم سحب النظام الأساسي كما يُطالب بذلك رجال ونساء التعليم؛ اختار هؤلاء النزول للشارع من أجل التعبير عن رفضهم القاطع لمضامين هذا النظام والمطالبة بسحبه وإلغائه، قبل إعادة صياغته من جديد بإشراك مختلف الفاعلين.

وفي وقت تزداد فيه حدة الاحتقان بالمدارس العمومية بسبب النظام الأساسي؛ حمّلت هيئات حقوقية وشخصيات سياسية، الحكومة والوزارة الوصية مسؤولية هدر الزمن المدرسي للتلاميذ، لتمسكها بموقفها بعدم سحب هذا النظام لحل المشكل.

الخبير التربوي، عبد الرزاق بن شريج، يرى في حوار مع موقع ” عبّـر.كوم”، أن سحب النظام الأساسي مطلب لن توافق عليه الحكومة؛ لأن السحب يعني فشلها في تدبير الملف. مشيرا إلى أن الحل الممكن هو الاتفاق على المواد التي يجب تعديلها أو سحبها لتصدر في مرسوم متمم للحالي.

وفي ما يلي نص الحوار:

 

س: ما هو تعليقكم على هذه الاحتجاجات التي شلت المدارس العمومية؟

ج: الاحتجاجات التي شلت المدرسة العمومية تحصيل حاصل، يقول المثل المغربي “قالو باك طاح، قالو من الخيمة خرج مايل”. كان مهندسو الحوار يظنون أن الحوار والتفاوض الخالي من شروطه المتعارف عليها سيخلص لنتائج جيدة؟ أشرت في الكثير من كتاباتي حول السياسة التعليمية بالمغرب إلى أن النظام الأساسي المنتظر سيخلف ضحايا جدد ينضافون لضحايا النظامين السابقين نظام 1985 و2003، وفعلا ذاك هو الذي حصل، لأن للتفاوض شروط، لم تحترم من الطرفين.

س: ما هي المؤشرات التي بنيت عليها توقعاتك؟

ج: جل النقابات التي تعتبر نفسها ذات أغلبية، لم يعد لها أي دور في الساحة النضالية، والدليل أن السنة الدراسية الماضية عاشت على إيقاع عدة أشهر من إضرابات كل فئات التربية والتكوين، فقد تكون ربحت سنة من التمطيط والخروج باتفاق على استمرار الحوار مع المركزيات “الأكثر تمثيلا” على حساب التربية والتكوين.

أغلب نساء ورجال التعليم لا يهتمون كثيرا بخلاصات الحوار ما لم تساهم في تغيير وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
التفاوض بين النقابات والدولة ممثلة في وزارة التربية الوطنية مبني على التدليس وغياب الرؤية الشاملة، وعدم استحضار المآلات، فلا النقابات تملك الحنكة والخبرة والمعلومات الكافية ليكون التعديل شاملا، ولا الوزارة تريد توسيع الاستفادة، وباختصار ستكون السنة الدراسية شديدة الوقع بمشاكلها على الجميع لأسباب عديدة منها ما ذكر ومنها ما لا يتسع المجال لذكرها.

لا يمكن أن ينجح التفاوض المعتمد على السرية، فالمنطق يقول إن النقابات تفاوض باسم منخرطات ومنخرطين أي القواعد، فكيف لأي عاقل أن يقبل التفاوض دون الرجوع لأصحاب القرار النهائي أي القواعد، وبالتالي كنت أتوقع أن هذه هي الفرصة الأخيرة للقضاء على المكاتب الوطنية للنقابات، وفصلها عن قواعد ها، وهي أمور واضحة الآن، فنساء ورجال التعليم خرجوا للشارع غير مهتمين بما تقوله المكاتب الوطنية للنقابات وانخرطوا في تنسيقيات وسيصعب التكهن بما سيتبع ذلك.

س: كيف يمكن تجاوز هذا الاحتقان ليتمكن التلاميذ من العودة إلى مقاعد الدراسة إسوة بتلامذة المدارس الخاصة؟

ج: أعتقد أن الأمور تعقدت كثيرا، لأن التنسيقيات تطلب سحب القانون الأساسي، والسحب يعني فشل الحكومة في تدبير الملف وبالتالي سينسحب فشلها على باقي المشاريع الوطنية الكبرى منها والصغرى، وهو مطلب لن توافق عليه الحكومة لما له من تأثير على باقي مهامها وصورتها الداخلية والخارجية، ويبقى الحل الممكن هو الاتفاق على المواد التي يجب تعديلها أو سحبها لتصدر في مرسوم متمم للحالي، ولكن للوصول إلى هذا الاتفاق فالأمر يحتاج قرارات سياسية تجعل من التربية والتعليم مدخلا أساسيا للتنمية المستدامة، ومصالحة الدولة والمجتمع مع المدرسة، فمادامت الدولة والمجتمع ينظر للمدرسة كمضيعة للجهد و للوقت لن ينجح أي إصلاح، مع الإشارة إلى أن السياسة التعليمية بالمغرب تشتغل على فئتين من نساء ورجال المستقبل، فمتعلمات ومتعلمو مدارس القطاع الخصوصي يتابعون دراستهم دون مشاكل، وهم من سيشكلون نواة الأطر العليا المستقبلية في حين أن متعلمات ومتعلمي المدرسة العمومية هم التقنيون مستقبلا ولهم ستخصص المناصب الدنيا، وهكذا يعتقدون أنهم سيؤمنون استمرار تدبير الشأن العام.

س: في نظركم، من يتحمل مسؤولية هدر الزمن المدرسي؟

ج: انطلاقا من تحليل بسيط لما عاشته المنظومة التربوية خلال السنوات الأخيرة، ففي السنة الدراسية 2019/2020 استمر الإضراب مدة طويلة وأغلقت المؤسسات التعليمية قرابة نصف سنة دراسية (ابتداء من 16 مارس 2020)، وكانت نتائج البكالوريا جد عجيبة، حيث أشار بلاغ الوزارة أن نسبة النجاح استقرت في 79.62 في المائة مقابل 77.96 في المائة في دورة 2019، مسجلة بذلك زيادة بلغت 1.66 نقطة مئوية، ولكم أن تنظروا للأرقام بعين مدرس-(ة)، أما نسبة النجاح في السنة الدراسية 2020/2021، التي مرت كلها إغلاقا وفي أيام قليلة باعتماد التدريس بنمط نصف حصة، فقد بلغت ، حسب بلاغ الوزارة 81.83 في المائة، مقابل 79.62 في المائة في دورة 2020، مسجلة بذلك زيادة بلغت 2.21 نقطة مئوية. ولكم أن تتخيلوا معاناة الأستاذ(ة) والمتعلم(ة) مع هذا النمط التدريسي الذي لم يتكونوا فيه و عليه.

انطلاقا من هذا التحليل البسيط نستخلص أن الحكومات المتعاقبة والحالية لا تهتم بالزمن المدرسي، خلاصة القضية أن الحكومة لا تهتم بالهدر المدرسي وكلفته الغالية على الوطن، يهمها تنفيذ توجيهات المانحين وصناديق التمويل، رغم أن المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 تؤكد على ضمان الدولة لكل شخص حقه في التعليم مع ضمان مبدأ المجانية، بتنصيصها على أن : “لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجانا على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الأساسي إلزاميا، وأن يكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم”. وأن الفصل 31 من دستور 2011 يؤكد على أن “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في… الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”، وإن كانت النصوص واضحة فالواقع غير واضح، بل مبهم ويسوده غموض وفوضى.

س: ما هو تقييمكم للنظام الأساسي لموظفي وموظفات التربية الوطنية؟

ج: يقول المثل المغربي الدارج ” عيب البحيرة تقلابها” بمعنى »البحيرة « أمامك وابحث فيها عما تدعي، فالذين وضع من أجل تنظيم مهامهم وسيطبق عليهم يوجدون الآن في الشارع، غير راضين عليه، وبدون الدخول في تفاصيل الاختلالات المسجلة من طرف كل المهتمين والباحثين وحتى النقابات المفروض فيها أنها شاركت الوزارة في هذا المولود “الخديج”، بالإضافة إلى أن هناك قاعدة أو مبدأ تشتغل به التنظيمات السياسية والنقابية ألا وهو مبدأ “الإشراك والتراضي” فالنقابات تملصت من هذا النظام الذي تقول الوزارة أنها أشركتها في إخراجه مما يؤشر على أن مبدأ “الإشراك والتراضي” لم يحصل، أو أحد الطرفين يكذب على نساء ورجال التعليم والنتيجة اللجوء للنضال السلمي في الشارع لمعالجة المشكل بعيدا عن طاولة الحوار و هذا الأمر لا يستقيم.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع