المحلل السياسي أحمد نور الدين: الزيارة البابوية للمغرب رسالة سلام من أجل إنقاد العالم من صراع الحضارات وحروب الديانات

الأولى كتب في 31 مارس، 2019 - 14:33 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

رضوان جراف-عبر

..
يعتقد المحلل السياسي و الخبير في شؤون العلاقات الخارجية و الإفريقية، أن الزيارة البابوية للمغرب بحسب ما ورد في كلمتي الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين، و قداسة البابا في باحة مسجد حسان لها أكثر من رسالة قوية على المستوى العالمي في هذه الظرفية الدقيقة التي يمر منها العالم، وسجل في اتصال مع عبّركوم عدد من الملاحظات والرسائل الكامنة و راء هذه الزيارة.

 

رمزية البلد و المكان

أكد أحمد نور الدين، أن اختيار البابا للمغرب ليخصه بهذه الزيارة التاريخية وتوجيه رسائله إلى العالم، لم يكن اختيارا اعتباطيا، وذلك لما يمثله المغرب كجسر بين أوروبا و إفريقيا، وجسر بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية، وجسر بين العالم العربي في الضفة الجنوبية والعالم الغربي في الضفة الشمالية، زد على ذلك يضيف المتحدث على الحمولة التاريخية للمغرب كرمز للتسامح، حيث انه الدولة العربية الوحيدة التي تتعايش فيها الديانات السماوية الثلاث مجتمعة بشكل متميز.

 

وفسّر نور الدين ذلك بكون المغرب هو البلد العربي الوحيد على الأقل الذي استمر فيه احترام الديانة اليهودية عكس الدول العربية الأخرى التي شكلت قطيعة مع اليهودية رغم محافظة تلك البلدان على التعايش بين المسيحية والإسلام، لكن احترام الطائفة اليهودية وضمان المواطنة الكاملة لأتباعها هو خاصية مغربية محضة، مشيرا إلى أن التجربة المغربية هي تجربة رائدة نحتاج إلى نشرها عبر العالم لتفادي تفخيخ المستقبل ولتفادي تفجير الحروب الدينية في هذا القرن الذي تؤكد عدد من الدراسات الجادة، أنه سيكون قرن عودة الحروب الدينية التي ظن الجميع أنها انتهت مع كتاب نتشه الذي أعلن موت الإله.

 

 

أشار نور الدين إلا أن الكلمة التي ألقاها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1985، بدعوة من الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، كانت من داخل ملعب لكرة القدم، عكس الذي وقع خلال هذه الزيارة، حيث استقبل البابا فرنسيس، في باحة مسجد حسان الموحدي والتاريخي، وهذا له دلالة رمزية كبيرة.
كما أن اختيار ذلك المكان هو رسالة تسامح من العالم الإسلامي من خلال إمارة المؤمنين بالمغرب، كما أن الأمر حسب تصريح المتحدث، هو رد على التطرف الذي أصبح سيد الموقف في الساحة الدولية اليوم سواء ما حدث في نيوزيلندا، و أيضا على موجات العنف في جميع أنحاء العالم باسم الدين سواء الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي، أو حتى الديانات الأخرى غير السماوية كالتطرف السّيخي والتطرف الهندوسي في شبه القارة الهندية.

 

واختيار المكان في حدّ ذاته يحمل رسالة، يضيف نور الدين، أكد عليها كذلك جلالة الملك محمد السادس، عندما أشار إلى أن هذا المكان هو اختيار إرادي يقع في الخط الرباط بين ثلاثة مساجد موحدية وهي مسجد الكتبية في مراكش، و مسجد حسان بالرباط ومسجد الخيرالدا باشبيلية، وهي إشارة ضمنية من الملك إلى ما كانت تمثله الحضارة المغربية من تسامح وقبول للديانات السماوية الثلاثة التي تعايشت في كنف الإمبراطورية الموحدية وأعطتنا الحضارة المغربية الأندلسية.

 

التطرف جهل بالدين

الرسالة الثانية التي حملها خطاب الملك محمد السادس للعالم، حسب نور الدين، هي أن التطرف لا يتم باسم الدين وإنما يقع باسم الجهل بالدين، لأن الديانات في جوهرها دعوة إلى مكارم الأخلاق والرحمة بين العالمين والتعارف بين الشعوب والقبائل، ولم تكن أبداً دعوة إلى قتل الأطفال والنساء والآمنين في المعابد ولا يمكن أن تكون هذه من تعاليم أي دين حقّ.

وبالتالي فرسالة الملك والبابا كانت قوية في هذا الباب، حيث أكدت أن التطرف هو باسم الجهل بالدين، و ليس باسم الدين، وما حدث في نيوزيلندا مثلاً لم نسمع أحداً يلصقه “بالإرهاب المسحي” وما يقع في فلسطين لا يلصقه أحد بالديانة اليهودية، ولا يجب أن ننسى أنّ ضحايا الإرهاب عبر العالم أغلبيتهم الساحقة من المسلمين وليس العكس.

نشر ثقافة التسامح و الرحمة بدل ثقافة الحرب

الرسالة الثالثة التي حملها خطاب للملك محمد السادس، هذه المرة بصفته كرئيس دولة، و ليس فقط كأمير للمؤمنين، موجهة، حسب ما أشار إليه المحلل السياسي أحمد نور الدين، إلى القوى الكبرى في العالم، حينما أشار إلى سباق التسلح، داعيا هذه القوى و عوض صرف هذه الآلاف من الملايير من الدولارات على التسلح الذي انطلق من عقاله مرة أخرى اليوم بين روسيا والولايات المتحدة والصين والقوى الصاعدة الأخرى، كان الأجدر أن يخصص على الأقل جزء من هذه الأموال لنشر ثقافة السلام والتعايش وإزالة الأسباب الحاضنة والمحفزة على التطرف وأقصد بها البطالة والفقر والأمية والاحتلال والاستغلال البشع لشعوب وثروات دول الجنوب بصفة عامة. وهذا ما عبر عنه الملك والبابا بالقول أنه ليست المقاربة الأمنية وحدها الكفيلة بمحاربة التطرف، وإنما المقاربة الشاملة وخاصة الإنسانية بما فيها قبول الهجرة المنظمة إلى البلدان المتقدمة.

 

نداء القدس

 

الرسالة الرابعة في هذه الزيارة، يؤكد أحمد نور الدين، هو التوقيع على نداء القدس، بين الملك محمد السادس بصفته أمير المؤمنين، و رئيس لجنة القدس، و قداسة البابا بصفته رئيس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، هذا التوقيع حسب المتحدث، الذي يأتي في ظرفية خاصة، تعرف فيها القضية الفلسطينية و تعيش فيها القدس مدينة السلام، ورمز وحدة الأديان السماوية الثلاثة عملية تهويد غير مسبوقة، وذلك بعد أن تمت المصادقة على قانون تهويد القدس داخل الكنسيت الإسرائيلي في 2017، وما تبع ذلك من خطوات من اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، وهو ما يتنافى حسب نور الدين، مع القانون الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية أراضي محتلة سنة 67 و يجب إعادتها لأصحابها وهي أرض فلسطينية من بين الأراضي التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية التي تتحدث عنها اتفاقيات السلام المبرمة ما بين الطرفين الفلسطيني و”الإسرائيلي” منذ مؤتمر مدريد 1991، إلى غاية معاهدا أوسلو 1993 وغيرها من الاتفاقات التي كانت تحت رعاية الأمم المتحدة و برعاية من الدول العظمى.

 

فالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يقول نور الدين، بالإضافة إلى قانون التهويد، يتنافى مع كون هذه المدينة، هي عاصمة روحية للديانات السماوية الثلاثة و يجب الحفاظ على وضعها القانوني الدولي كمدينة للسلام تتعايش فيها الديانات الثلاث.

 

فالإشارة كانت واضحة حسب المتحدث دائما، بمطالبة الحاكمين اليوم في القدس في أن يحافظوا على طابعها التاريخي الأصيل، وأن يحترموا حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية.

 

كما أن نداء القدس، يؤكد نور الدين، إشارة قوية إلى ما تقوم به إسرائيل من عرقلة وإغلاق للمسجد الأقصى وحرمان المصلين من دخلوه، كما حدث مع إغلاق “باب الرحمة”، و الاعتداء عليه وتدنيسه، بل وصل الأمر إلى الاعتداء على مفتي المسجد الأقصى وهو أكبر مرجع ديني إسلامي في القدس، بالاعتداء عليه واعتقاله وجره من باحة المسجد، وهذا يتنافى مع قدسية هذه الأماكن المقدسة التي يدعو ميثاق الأمم المتحدة لاحترامها فضلا عن القوانين عبر العالم التي تؤكد على احترام أماكن العبادة و قدسيتها وعدم تدنيسها أو الاعتداء عليها أو إغلاقها.
ونداء القدس هو صرخة وجرس إنذار من خطورة ما يقع في مدينة السلام، من انتهاك للمقدسات وتهويد للمدينة تحت قوة السلاح وبدعم أمريكي ضداً على القرارات الأممية والقانون الدولي، لأنّ العدوان لا يمكن إلا أن ينتج لنا ما يمكن وصفه بتفخيخ المستقبل، وزرع القنابل الموقوتة التي ستنفجر على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وتشعل حروباً بين الحضارات كما بشّر بذلك صامويل هانتغتون في كتابه “صراع الحضارات”.

 

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع