في يوم من أيام الخريف الممطرة.. حيث أوراق الأشجار المتناثرة.. هنا وهناك.. وأصوات الرياح المهلهلة.. بين الموقد والنافذة.. أخذت مكاني.. ها هنا.. كعادتي.. أترقب.. قدوم الطيور المهاجرة.. أحتسي قهوتي المرة المفضلة.. طاولات وكراسي جد مرتبة.. في دقة متناهية.. تنتظر من يستوطنها.. فناجين تنتظر من يسكبها.. وجوه شاحبة بألوان الطيف ملطخة.. تتنظر من يغازلها.. لا حزن ولا فرح يعرفها.. لا ملامح عن غيرها تميزها.. لا موت حولها.. ولا حياة تناديها.. وجوه صعب تذكرها.. صعب نسيانها.. كمثيلاتها تبقى في الذاكرة معلقة.. نساء في مقتبل العمر فقدت نصفها.. قضت نحبها.. تندب حظها.. في “اللحظة الأخيرة”.. تنتظر “المركبة الأخيرة”.. في “المحطة الأخيرة”.. تناجي “فرصتها الأخيرة”.. بين السابعة صباحا والتاسعة ليلا.. سجائر مستوردة تحترق حسرة عليها.. علاقم محلية صنعت من أجلها.. قهقهات بدون سبب.. مدوية تملأ المكان.. تستنفر الفضول.. معلنة نهاية الفصول.. خطؤها الوحيد انها آمنت بالوعود.. باعت الأصول.. نالت الأفول..
عصفت الرياح الشمالية.. تذكرني.. بوعود قطعتها على نفسي.. عادني الحماس.. زارني شيطاني.. أخذني نحو المحظور.. سمعت صوتا هاتفا يناديني.. أخذت القلم بين أناملي.. أرسم وجهه المنحوت.. أرسم خريطة طريق لمساري.. أبحث عن دفء في روايتي.. أكتب قصيدة حب من نبع خيالي.. ألقيها على مسامع الحكام.. رسالة مني، أبعثها للسلطان.. تحكي صدق المشاعر والاحساس.. تحكي عودة الطيور المهاجرة للأوطان..
أنا “لم أحبك لأنك الأجمل أو الأرحب.. لم أعد لأنك الأكرم أو الأرحم.. لم أحبك لأنك الأغنى أو الاشرف.. لم أشتريك لأنك الأغلى أو الأرخص.. أحبك، لان حضنك لي هو الأنسب.. أنت لي الوطن الأفضل.. انتمائي لك.. هو الأعظم.. وحبي لك هو الأروع.. عشقي لك مهما طال.. لا يمل ولا يصدأ.. تجعلني أفرح كالأطفال.. أغضب كالأطفال.. أحلم كالأطفال.. أنطلق كالأطفال.. أشتاق إليك كالأطفال.. أبكي عليك كالأطفال.. أهجرك كالأطفال.. أعود إليك كالأطفال.. لو خيروني بينك وبين القمر.. لاخترت ضوءك أنت.. يا أغلى الأوطان.. اختارك حضنا لي.. في كل الأعمار.. لن أتوانى ولن أندم.. رغم الشدائد والمحن.. نملأ الكون فرحا بالانتصار.. من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.. نطفو فوق كل الأحزان والأحزاب.. فوق كل الحسابات والمعادلات.. نحطم كل المعتقدات و”المعتقلات”.. نتقاسم كل الامتيازات والممتلكات.. نعلنها حربا ضروسا.. ضد الكراهية والفساد.. بتسديد كرة رماها في الشباك.. رسالة حب من توقيع مهاجر أحب البلاد.. أغنية سلام.. عبرة لحكام البلاد..
نرقص حينما نحس بالشجن.. نحتج حينما نعتقد أن العود قد انكسر.. نركض فرحا تحت زخات المطر.. نصلي من أجلك.. كي تتقارب وجهات النظر.. حينما نرحل.. يغيب عنا القمر.. حينما نعود.. يغيب عنا الضجر.. نجري كالمجانين في بلاد المهجر.. نقسم بالله.. أنت لنا لا تليق.. شوقا ترانا.. رغما إليك نعود..
نلوم بعضنا ثم نفترق.. نهاجر معاتبين ثم نحن.. نغضب ونحزن.. كلما ساءت بك الأحوال.. نركض ونركض.. نسبق ظلنا.. نجعل الأنظار تلاحقنا.. نترك العناوين تشتاق إلينا.. نترك وراءنا تفاصيل أرهقتنا.. لحظات عشناها.. نهرب من ملاحقة الكوابيس لنا.. ننام تحت ضوء القناديل.. كي ننسى قصص السلاطين.. كانت ترعبنا.. نحلق عاليا كالنوارس.. تصبح كل الأوطان لنا عناوينا.. يحز في النفس أنه.. رغم شوقي وانتظاري.. أنت عن وفائي مازلت غافلا.. هي شعوب تحيا تتوق لها أوطانا.. انا لدي وطن لا أعرف له سبيلا.. حار لهيامي شعراء العصر.. لهذا العشق لم يجدوا له تفسيرا.. كل المراتب والألقاب.. كل الإغراءات والامتيازات.. في حضرتك أنسى لها الحضور.. كل الانتقادات والأحقاد في حضرتك.. أنسى بها الحروب.. حبي لك ليس رواية عشق.. أبطالها الصقور.. ليست لمثيلاتها في شيء تشبه.. حبي لك ليس قصيدة شعر.. أتعبتها البحور.. ليس قرارا لبنوده أمتثل.. حبي لك ليس اختزالا لقلب لحبك يخفق.. حبي لك جنون ما بعده جنون.. جعل لسان الكون بك ينطق.. جعل الخالق لحبي لك يفتخر..
الدكتورة نجاة بقاش
الدكتورة نجاة بقاش تكتب : عودة الطيور المهاجرة..
عبّر
مقالات ذات صلة
29 أبريل، 2024
مرة أخرى رأى العالم مع من حشرنا الله في الجوار
حادثة أخرى تنضاف لباقي الحوادث التي تظهر الوجه الحقيقي للجارة الشرقية و تثبث بما لا يدعو مجالات للشك عزمها على [...]
23 أبريل، 2024
هل فشل النعم ميارة في امتحان التنظيم الحزبي بعد خيبة مؤتمر مراكش؟
لم تشفع للسيد النعم ميارة جميع الصفات التي “يرتديها” رسمية كرئيس لمجلس المستشارين، أو حزبية كعضو في اللجنة التنفيذية لحزب [...]
23 أبريل، 2024
“أزمة القميص ” تضع الجزائر من جديد في المحظور
أثارت خطوة السلطات الجزائرية “احتجاز” بعثة فريق نهضة بركان، من زوال يوم الجمعة، بمطار هواري بومدين، نتيجة ملابس رياضية تحمل [...]
23 أبريل، 2024
الحكومة ومعارضة الظل..رؤية في مستقبل الممارسة الديمقراطية
بقلم: عبد المنعم الكزان يخوض الاتحاد الاشتراكي حربًا ضروسًا من أجل ترأس لجنة العدل والتشريع، بعد أن فشل في جمع [...]
اترك هنا تعليقك على الموضوع