خبير يربط أزمة العجز المائي بالمغرب بالسياسة الفلاحية ويدعو إلى الاقتصاد في استهلاك الماء

إقتصاد و سياحة كتب في 23 يناير، 2024 - 21:15 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

 

يعيش المغرب أزمة مياه غير مسبوقة تفاقمت حدتها في السنوات الأخيرة، وهو ما تم على إثره إطلاق تحذيرات بخصوص الوضعية المائية المقلقة؛ حيث من المرتقب أن تشهد المملكة سنة جافة أخرى في ظل تراجع معدل التساقطات المطرية الأخيرة.

 

وبعد التحذيرات التي أطلقها وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أعلن الأخير عن الشروع في تفعيل خريطة الطريق والبرنامج المستعجلة من أجل مواجهة أزمة المياه المقلقة.

 

عبد الحكيم الفيلالي، الخبير والباحث في مجال الماء والبيئة، قال إن المغرب يعيش الجفاف للسنة الرابعة على التوالي وهو ما عمّق الأزمة المائية وخفض من حقينة السدود. موضحا أنه ومن أجل مواكبة هذا العجز المائي قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءات الاستعجالية تحت الإشراف الفعلي لجلالة الملك، وكان آخر هذه اللقاءات هو يوم 16 يناير الجاري.

 

وأوضح الفيلالي، في تصريح لموقع ” عبّــر.كوم”، أن جلسة العمل ركزت على مجموعة من التدابير الاستعجالية التي رفعت شعار تسريع وتيرة إنجاز البينة التحتية المائية على الخصوص، وفيما يتعلق بالتدابير على مستوى المدى القريب فتمثلت في تسريع وتيرة إنجاز محطات تحلية المياه وكذلك السدود، في حين أن التدابير على المستوى المتوسط تتلخص في مواصلة بناء السدود وتسريعها ثم الاستثمار في محطات التحلية على أمل الوصول إلى ما يقارب 1.4 مليار متر مكعب من الموارد المائية في أفق 2030.

 

ولفت الخبير إلى أن هناك موارد مائية تقليدية وهي مياه التساقطات التي تعبأ في السدود وتتسرب نحو الفرشة المائية، أما المياه غير تقليدية فهي التي تتم تحليتها على سبيل المثال. كاشفا أن المغرب  وفي إطار مشروع إطار الربنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي 2020/2027 يراهن عل تنمية وتنويع عرضه المائي.

 

الاقتصاد في استهلاك الماء

 

وشدد الفيلالي، على أنه هناك نقطة أساسية تعتبر هي الجوهر وهي أن ” الاقتصاد في استعمال الماء يعتبر شرطا أساسيا للخروج من حالة الإجهاد المائي أو على الأقل التقليص منها، صحيح كما قلت سابقا أن مشروع المغرب هو الوصول إلى 1.4 مليار متر مكعب من مياه التحلية، لكن الاستمرار في نفس الأخطاء خاصة على مستوى السياسة الفلاحية سيُعمق الأزمة مهما ضاعفنا من الموارد المائية التي قمنا بتحليتها”.

 

ويتوقع الخبير في الماء والبيئة، أن ينتج عن ذلك مشكلين” الأول هو أنه ستعمق العجز المائي رغم تنمية الموارد المائية بفعل ارتفاع الطلب والهدر، والمشكل الثاني هو أن الموارد المائية التي أنفقناها في إنجاز تلك البنية التحتية وفي صيانتها والموارد البشرية العليا التي تشتغل فيها، وبالتالي سنكون أمام أزمتين؛ أزمة ضعف الموارد البشرية وأزمة مرتبطة بالنفقات المادية التي قمنا بهدرها في هذه المشاريع”.

 

وبالتالي، يؤكد الفيلالي، على ضرورة الاقتصاد في استهلاك الموارد، ذلك أنه ولإنشاء محطات تحلية في أفق الوصول لـ20 محطة في سنة 2027/2030 وتحلية 1.4 مليار متر مكعب؛ يجب تقييم القيمة المالية لهذه المشاريع ” فمحطة الدار البيضاء لوحدها تكلف 6 مليار درهم فقط للبناء وماذا عن الصيانة والطاقة إلى غير ذلك من المشاكل، يعني أن محطة واحدة تكلف الشيء الكثير، إذن بناء 20 محطة تكلف موارد مالية كبيرة جدا”.

 

وتابع المتحدث ذاته، أنه إذا تم الاقتصاد في استهلاك الماء في القطاع الفلاحي ” يعني مياه السدود والفرشة الباطنية واقتصدنا عن سبيل المثال 2 مليار فإنها أحسن بكثير في أن نبني محطات وننفق عليها موارد مالية ولن نصل إلى نتيجة، إذن تلك المياه التي ستتم تحليتها (1.4 مليار نتر مكعب) يمكن أن نقتصد بأكثر منها في القطاع الفلاحي من خلال إعادة التفكير في طريقة استغلالنا للموارد المائية”.

 

والمقصود بذلك، يوضح الفيلالي، أنه يجب تنمية البنية التحتية المائية والسدود وتحلية مياه البحر، ولكن في نفس الوقت القيام بالاقتصاد في استهلاك الماء، لأنه لا يمكن بناء محطات للتحلية وسدود إضافية والاستمرار في تصدير الماء على شكل منتجات فلاحية مستقبلا.

 

وأكد الفيلالي، أن أول نقطة يجب التركيز عليها بالإضافة إلى تنمية وتنويع العرض المائي؛ هي الاقتصاد في استهلاك الماء، خاصة أن “الإحصائيات الأخيرة تؤكد ارتفاع حصة الفلاحة من الموارد المائية إلى 89.3 في المائة في حين أن مياه الشرب في المجال الحضاري بلغت 7 في المائة وفي المجال الريفي 1.4 في المائة. وبالتالي علاج المشكل مرتبط بالتوجه لمصدره وهو هدر الماء في القطاع الفلاحي، إذ أن 40 في المائة من الموارد المستخدمة كلها تتعرض للضياع”.

 

ويرى الخبير ذاته، أنه يجب التعامل بعقلانية في طريقة تدبير ملف الماء ” وهذا في الحقيقة ورد في الخطاب الملكي الذي تم إلقاؤه أمام نواب الأمة قبل سنتين وهو أن تنويع العرض المائي يجب أن يرافقه الاقتصاد في استهلاك الموارد المائية”.

 

ترتيب الأولويات

 

وحول كيفية الاقتصاد في استهلاك هذا الماء، أوضح الفيلالي، أنه ” يجب أولا إعادة النظر في ترتيب الأولويات الفلاحية، لأنه إلى حدود هذه السنة وإلى حدود السنوات الأخيرة الثلاث الأكثر جفافا؛ تضاعف حجم الصادرات المغربية بشكل كبير رغم أن السنة جافة، وهذا الوضع غير مقبول أنه في بلد سنوات الجفاف فيه ترددها شيء طبيعي منذ مئات السنوات ونقوم بالرفع من الصادرات الفلاحية وخاصة الصادرات التي تحتاج إلى موارد مائية كبيرة جدا”.

 

والمسألة الثانية، يتابع الخبير في مجال الماء والمناخ، هي ترتيب الأولويات فيما يخص نوع الإنتاج ” إذ لا يعقل اليوم أن نقوم بالرفع من الصادرات التي تحتاج إلى موارد مائية من أجل التصدير وفي نفس الوقت نستورد المواد التي نعتبرها أساسية واستراتيجية بالنسبة للمغرب، في عالم متغير ومشاكل جيوسياسية ترفع بين الفينة والأخرى من الأسعار”, وبالتالي لابد من التفكير في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.

 

وأشار المتحدث ذاته إلى أن التاريخ والأحداث التي عرفها العالم أو سيعرفها كلها تعطي إشارة أنه ولابد من الحرص على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الفلاحية وإعطاء الأولوية للمواد الأقل استهلاكا للموارد المائية، والتي تعتبر استارتيجية على المستوى الداخلي.

 

واقترح الخبير، الرفع من الاستثمارات في البحث العلمي، خاصة فيما يتعلق بانتقاء بذور مقاومة للجفاف والحرارة وهو الأمر الذي يعمل عليه المغرب، لكن لابد من رفع الاستثمارات لتوسيعها من قطاع الحبوب إلى منتجات أخرى؛ لأن هذا سيساهم لا محالة في الاقتصاد في استهلاك الموارد المائية.

 

كما أن ” إنشاء محطات على المستوى الساحلي ووجود خصاص في العديد من المناطق الداخلية، يستدعي نقل الماء وتحقيق نوع من التضامن المجالي من خلال وجود ما يسمى بالطرق السيار المائي وبالتالي يجب تسريع إنجاز هذا الورش والقيام بدراسة شاملة تغطي مختلف الجهات والأحواض المائية المغربية من أجل التفكير في التخطيط للمناطق التي يمكن أن ننجز بها هذه الطرق المائية والهدف هو إعادة توزيع الموارد المائية وفق حاجيات كل منطقة”. وفق الفيلالي.

 

تكييف المزروعات مع نوع البيئة

 

ولفت الخبير ذاته إلى أن هناك مسألة أخرى ترتبط بالفلاحة وهي ضرورة تكييف المزروعات مع خصائص البيئة المحلية، إذ أن المغرب يعرف جفافا ولكن بمستويات مختلفة؛ فهناك مناطق تعرف أزمة ماء على الرغم من كون السنوات رطبة، ونجد بعض المناطق فيها ندرة كبيرة من الموارد المائية لا نتحدث فقط عن المناطق الصحراوية بل توجد مناطق تعاني أزمة ماء.

 

وشدد الفيلالي، إلى ضرورة تكييف النوع المزروع مع طبيعة المناخ ” لا يعقل اليوم أن نستمر في إنتاج منتجات تحتاج إلى موارد مائية في بيئة شبه جافة، فمثلا إنتاج الحوامض في منطقة أكادير التي تكاد الموارد السطحية تنعدم فيها، يعني معظم الموارد في منطقة سوس هي موارد باطنية وعلى الرغم من ذلك فالمنطقة استراتيجية وأساسية لإنتاج وتصدير الحوامض”.

 

وأكد الخبير أنه ” آن الأوان لنكيف النوع المزروع مع نوع البيئة وهذا يحتاج إلى دراسات من متخصصين من شأنهم إنجاز خرائط تبين لمختلف المستعملين الاختيارات الفلاحية وعلاقتها بمناخ المغرب، ليس على مستوى التساقطات ولكن كذلك على مستوى الحرارة والرطوبة إلى غير ذاك”.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع