حكام الجزائر يغتاظون فيرتبكون ثم يعبثون

عبّر معنا كتب في 6 مارس، 2024 - 16:00 تابعوا عبر على Aabbir
إسبانيا الجزائر
عبّر

الدول أنواع، منها الدول التي تُدار برُؤى وأفكار، ومنها تلك التي تُدار بردود الأفعال، تجاه الدول المُتمتِّعة بالنُّضج الإستراتيجي. للأسف، جنرالات المنفعة الخاصة، المؤثرون في حكم الجزائر، أوقفوا نمو الدولة الوطنية الجزائرية عند مستوى دول الصِّنف الثاني، وأبقوها في وضع المُدمن على سياسات ردود الفعل ضدّ المغرب، وقد استشرى ذلك الإدمان في كل ما يُوَجهونه، ومنه إعلامهم. سأعود إلى القضايا الكبرى مثالا على ما أدفع به. لا بأس من مثاليْن صغيرين فاتحين للشهية وطرييْن؛ كُتب في بعض الصحف الجزائرية الأحد الماضي، بعنوان بارز، بأن “بن شيخة أقصى الوداد المغربي من تصفيات العصبة الأفريقية لكرة القدم”.

كان لا بد أن يحشروا المدرب الجزائري في إقصاء فريق الوداد، وأن تبرُز في “الخبر” الصِّفة المغربية (المُستحقة أصلا ودائما) للفريق البَيْضاوي، مع أن بن شيخة يدرِّب فريقا من تنزانيا ولم يقابِل الوداد، قطعا في هذه التصفيات. الوداد أقصى نفسه، حتى وقد انتصر، بسبب نقص نسبة الأهداف في حصيلته. إنّه الجوع لأيِّ انتصار على المغرب، حتى ولو كان مفتعلا ومتوهّما، ودائما في ردِّ الفعل المزمن على الانتصارات الكروية المغربية عموما.

نفس تلك الصحف ستكتب، وهي تعرض لاجتماع جزائري – نيجيري بخصوص أنبوب الغاز العابر للصحراء، عن “ضرورة تفعيل كل الوسائل لإعادة المشروع بعد التأخُّر المسجل”.. وتُضيف، في حشوٍ مرْذول، بأن أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب غير قابل للتحقيق. همْ، لا يُسعدهم حديث إلا حين يُقحمون فيه المغرب، ودائما بلا مُناسبة وبلا مُبرر ولا معنى.

وهذه فقط عيِّنة من الإدمان على ردود الفعل المرَضية ضد المغرب من حكام الجزائر في سياساتهم، سواء تعلق الأمر بالقضايا الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى، فيزعجهم المغرب أو يزعجون أنفسهم بالمغرب.

الأحد الماضي، اجتمع مجلس التعاون الخليجي على مُستوى وُزراء الخارجية في الرياض، مع ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربية. الاجتماع أكَّد على الموقف الواضح والراسخ لدُوَل مجلس التعاون الخليجي، المؤيد لمغربية الصحراء، والمُساند لمبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب “كحلّ وحيد في إطار سيادة المغرب ووحدته الوطنية والتُّرابية”. وثمَّنت مداولات المجلس الإصلاحات الكبرى، التي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، في “كافة المجالات السياسية والاقتصادية”. وعلى مرجعية اجتماع الدوحة الأخير، أكدت المُداخلات على أهمية الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين الخليجي والمغربي. كما عبّر المجلس عن تقديره ودعمه للمبادرة الأطلسية الملكية، واستعداده لإسنادها والانخراط في أوراشها. وسيتوقف رئيس الدورة ووزير خارجية قطر، عند تنظيم المغرب وإسبانيا والبرتغال لكأس العالم سنة 2030، مُعبرا عن تهنئته للمغرب بهذا الإنجاز، ومُعلنا عن استعداد المجلس لدعم المغرب في توفير كل أسباب نجاحه.

هي مخرجات اجتماع بين المغرب والأشقاء في دول الخليج، مُنسجم مع حقيقة وعمق الاحترام، الذي تخصه تلك الدول للملك محمد السادس، ومع حقيقة وعُمق التعاون والتفاهم والتفاعل، بين دول الخليج وبين المغرب. مخرجات ليس فيها مفاجأة ولا ما يدعو إلى الغرابة إلا عند حكام الجزائر، والذين استبد بهم الحنق واشتعلت فيهم حاسة رد الفعل، لِمَا رأوا في الاجتماع المغربي – الخليجي من دعم صريح وقوي للمغرب. وكما تعوَّدنا معهم، اعتبروا ذلك موَجها ضدهم. فكان أن دفعوا الرئيس عبدالمجيد تبون للاجتماع، يومَ الأحد نفسه، مع الرئيس التونسي قيس سعيد ومع الرئيس الليبي يونس المنفي، فيما أسموه اجتماعا لإحياء اتحاد المغرب العربي، وقرروا عقد أوَل اجتماع له بعد شهر رمضان في تونس، ويبدو أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تجاهَل، أو تجنب أو حتى رفض حضور الاجتماع، بالرغم من وجوده في الجزائر. هكذا إذن، وبمِزاج حانق وفي ردِّ فعل غاضب، يُفْتعل اجتماع لرؤساء دول مغاربية، بدون سابق إعلان ولا تحضير ولا مناسبة، دون حضور رئيس موريتانيا.. وطبعا ضدا على المغرب.

عن أي اتّحاد يتحدثون؟ أو ليس هذا إقبارا له وعصْفا حتى بذكراه؟ هل بعد هذه الخِفّة خفة؟ ردّدْت مرارا عن لينين “بأن الحقد أسوأ مُوَجه للسياسة”، بل ولا يقود إلا إلى ما لا يضحك من المهازل.. إلا لما يبكي ويُؤلم.

في المغرب دولة نحتها التاريخ، وتسري في شرايينها حساسية معتَّقة لمصلحة الأمّة المغربية. دولة هي وريث لتعاقب دول مغربية أنتجت الحضارة المغربية عبر قرون، ورسّختْها في آليات وروافع تدبير الدولة، وفي المعمار، في الأدب، في الطبخ، في اللباس، في الفنون وفي الروح المغربية الجامعة لمكونات الأمّة في وحدة متفاعلة ومندمجة. الدولة المغربية عنوان لعراقة تاريخ المغرب، ومشتل لإعادة إنتاجه في مستقبله. ولهذا، وجد الملك محمد السادس نفسه مُهيَّأ ومبدعا لقيادة البلاد بمشروع حضاري، إصلاحي وحداثي، مُتكامل ومتدرج، واقعي ويمتلك حِس وآليات تقويمه وتصويبه وتشذيبه، كما ينبغي لكل مشروع حضاري مُتصل بشعب ثريّ بتاريخه وقويّ بتنوعه. لقد وضع ملك المغرب الدّولة في خانة الدول الناضجة إستراتيجيا، برُؤى وتطلّعات، وهي الآن موضوع “ملاحقة” حانقة ومغتاظة من جهة حكام الجزائر.

وآخر ما غاظ ويُزعج حكام الجزائر، هو المشروع الملكي الأطلسي تُجاه دول الساحل والصحراء الأفريقية. يوما بعد يوم تورِق يناعتُها الإستراتيجية. مبادرة بنفس تاريخي وبعائد تنموي عميق وغزير على منطقة أفريقية عانت شُعوبها من استغلال فقرها لإثراء غيرها. مُبادرة جديدة في العلاقات البينية الأفريقية، تقوم على تبادُل الأخذ والعطاء وتبادل المنفعة وعلى “الترابُح” بين شعوبها. مبادرة موَلِّدة لتحولات نوعية في الأوضاع الجيوستراتيجية في المنطقة بتأثير مُحتمل التدفق على غرب أفريقيا، ومنه لإعادة ترتيب المواقع والمراكز، الاقتصادية والإستراتيجية في عموم أفريقيا. والمبادرة بهذه الأبعاد، هي اليوم، بالصّريح وبالفعلي، موقع زخم دولي استثنائي للتعبير عن السعي للانخراط فيها ومواكبة إنجازها.

دول الساحل رحبت بالمبادرة، واجتمعت في مراكش لإطلاق ديناميكيتها، وهي المعنية الأولى بها. موريتانيا هي قيْد الإعداد للالتحاق بها، وبشرعية “أطلسيتها” الجغرافية. الإمارات العربية، أدرجت أوراش تلك المبادرة في الاتفاق الإستراتيجي، الذي نتج عن زيارة الملك محمد السادس إلى الإمارات. دول مجلس التعاون الخليجي، في بيانها الأحد الماضي، أكّدت استعدادها لدعمها وللتفاعل معها. إسبانيا ثمنت المبادرة الملكية وتعهدت بالمساهمة فيها، وضمن التزامها بالاستثمار في المغرب وفي أقاليمه الجنوبية لمدى ربع قرن المقبل. كذلك، عبّرت فرنسا عن تقديرها للمبادرة، ولعموم المجهودات التنموية المغربية في أقاليمه الجنوبية، وأعلنت عن إسنادها لها خلال الثلاثين سنة المقبلة. الولايات المتحدة مُلتزمة بفتح قنصلية لها في مدينة الداخلة، وهي متابعة لإنجاز ميناء الداخلة ومهتمة بالمبادرة الأطلسية، إستراتيجيا و“أطلسيا”. ألمانيا شهيتُها مفتوحة للاستثمار في برِّ وبحر الصحراء المغربية، والمبادرة إطار يُناسبها.. واللائحة طويلة للدولة المنجذبة للانخراط في شساعة ممكنات الاستثمار في المبادرة الملكية، وفي تحوُّلات الأقاليم الصحراوية المغربية. والمبادرة تسندها عمليا نيجيريا، القوة الاقتصادية الهامة في أفريقيا، عبر حماسها للإنجاز المشترك بينها وبين المغرب لأنبوب الغاز بينهما، ومن المغرب إلى أوروبا.

حكام الجزائر يعيشون غيظهم، لسعة لسعَة، وهم يتابعون تداعيات المبادرة الملكية الأطلسية على المنطقة، وعليهم وعلى إخماد موْقد المُشاغبة ضد المغرب. تحولات المنطقة نحو إنتاج التنمية لشعوبها، ستجعلها في ضيق عزلة لتتسلى فيها بأدوات غيظها من المغرب. وكما المتوقع من حكام أدمنوا إدارة بلادهم بردود الفعل ضد المغرب، لجؤوا إلى خدمات بعض ممتهني السّباب والزعيق ضد بلدهم. وبعضهم أصلا أحرقوا جوازات مَغربيتهم، وأكثرهم لفظتهم مخابرات فرنسية أو أميركية، حين اكتشفت أنهم مجرد رعاع في أزقة الارتزاق… حكام الجزائر اليوم يثيرون الشفقة عليهم فهم في أشد درجات الخيبة، إلى حد الاستعانة بأحط سفلة الخيانة للتنفيس عن غيظهم… من هذا المغرب الشامخ..

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع