الأمن المائي بالمغرب بين الواقع وتحديات المستقبل القريب

عبّر معنا كتب في 5 ديسمبر، 2023 - 22:10 تابعوا عبر على Aabbir
انقطاع/ الأمن المائي
عبّر ـ ولد بن موح

في ظل ما أصبح يعرفه العالم ومنذ نهاية الألفية الثانية من تغيرات مناخية تتعدد مظاهرها بين حرارة مرتفعة وبرودة ساقعة في العديد من بلدان العالم، يطرح اليوم التحدي المناخي والمائي في بداية كل سنة، إذ تتعلق أحلام العديد من المستثمرين في القطاع الفلاحي وينتظرون أمطار الرحمان لانعاش المال والأعمال الفلاحية في العديد من مناطق المملكة. يوم الجمعة الماضي كان النداء وطنيا وشاملا لتنظيم صلوات استسقاء في مساجد المملكة تخشعا وتذرعا للباري وحده الله جلت قدرته ليسقي عباده العزل. وفي هذا الصدد وتماشيا مع المخاوف المستمرة والسنوية التي يعيشها الفلاحون كل سنة يطرح التساءل من جديد حول مدى نجاعة،جدية وفعالية السياسات العمومية المطبقة على الأمن المائي في البلاد.

تشكل قلة التساقطات أحد أهم المشاكل المتكررة التي يعاني منها الفلاح خصوصا الصغير في العشرية الأخيرة، خصوصا مع الإجهاد المائي الذي تعرفه السدود التي انخفضت مخزوناتها ب24% حسب وزارة التجهيز والماء، كما أن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يعزز هلع المواطنين من تكرار سنوات الثمانين العجاف التي أرهقت كاهل الدولة وأثرت على النمو الاقتصادي في البلاد.

إن حساسية القطاع الفلاحي بالنسبة للمغرب يترجم على مستويات عدة، إذ أنه يشغل ولوحده نسبة 14%  من الناتج الداخلي الخام، إضافة لمناصب الشغل المباشرة والغير مباشرة التي يساهم القطاع الفلاحي في ازدهارها وضمان استمراريتها. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تطرح قضية الأمن الغذائي على طاولة الحوارات السياسية خصوصا في خضم ما تعرفه الأسواق المغربية من ارتفاع في أسعار المواد الأساسية للمواطنين، فالآليات الحالية التي يتم الاشتغال بها على أرض الواقع تتسم بطابعها التقليدي، إذ أنه وحسب تقارير وزارة الفلاحة، لا يتم إدماج الآليات الفلاحية الجديدة إلا من طرف أصحاب الضيعات الكبرى واللذين بطبيعة الحال يستفيدون أيضا من الدعم الذي تقدمه الوزارة من تأطير، وتكوين وعصرنة أصبحت متلازمة فلاحة ناجحة في زمننا الراهن.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يتساءل الفلاح والمواطنون عن مآل تدبير القطاع وعن فعالية الآليات والسياسات المطبقة في هذا الصدد، إذ أن الملاحظة الأولى، أنه ورغم الجهود المستمرة إلا أن سلسلة التسويق لا تزال شحيحة، كما أن تصدير المنتوجات الفلاحية يبقى حكرا على ضيعات ضئيلة، مما يعيق تطوير المنتوج الفلاحي المغربي إذ أن خلق توازن بين الفلاحات المعيشية الوطنية والفلاحات المنتجة السالفة الذكر يمثل أهم التحديات التي تلازم تطور القطاع الفلاحي المغربي، علاوة على أن التغيرات المناخية وآثارها التي لن تبرأ عن التضخم وستشكل في المستقبل القريب مشكلا قائما بذاته ينضاف للمشاكل الجمة التي يعاني منها الفلاح في ظل راهنية مستمرية وحتمية على التأقلم مع واقعه الجديد.

أصبح اليوم من غير الممكن الاعتماد على سخاء السماء سنويا لضمان استمرارية الإنتاجية الفلاحية السنوية، فمع ارتفاع الاستثمارات العمومية الموجهة إلى ضمان تأمين الأمن المائي، يجب الحرص على ضمان التنفيذ الحرفي للمشاريع المائية البنوية الكبرى وتفادي أي تأخير في التسليم النهائي للأشغال لارتباطه المباشر بتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على محاربة الجفاف. ومن بين أهم المشاريع الكبرى التي تم إطلاقها خلال السنوات الأخيرة هي بناء الأحواض المائية في عدة مناطق بالمملكة، إضافة إلى إطلاق مشاريع جديدة لتحلية مياه البحر في أفق  2030 ، ولا ننسى ذكر محطات معالجة المياه العادمة خصوصا في المدن الكبرى، إذ ستسهم هذه المشاريع في بناء مرتكزات بنيوية للأمن المائي الذي لا يتم إحقاقه إلا بمأسسة فعلية لآليات عمله، وتسريع تنفيذ مخططاته الاستعجالية.

إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة 17 ليست بالهينة وتتطلب تظافر جهود جميع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين لتقوية الإنتاج الفلاحي وضمان استقراره لارتباطه المباشر بعدة أبعاد اجتماعية. اليوم تطرح على الحكومة العديد من الرهانات والأرهاصات الواقعية التي لا يمكن بالبتة تجاهلها خصوصا مع الارتفاع المهول في الأسعار الذي سيستمر لزمن غير هين على جيوب المواطنين المرهقين بكاهل الحياة اليومية الصعبة. فالتحدي اليوم، يرتبط أساسا بالحكامة التي تستوجب جدية وصرامة من طرف أصحاب المشاريع العموميين لكون الأمن المائي برتبط بسلسلة من التوازنات الماكرو اقتصادية إذ لا يمكن تصور أمن غذائي في ظل غياب أمن مائي يعزز قدرة القطاع الفلاحي على ارتفاع إنتاجه. وحدها الأيام القادمة ستنير بصيرة الفلاحين الآملين، الراغبين والحالمين أيضا بغد أفضل.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع