هل سيتمكن المغرب من إعادة صياغة البعد الحقوقي في البلاد انطلاقا من مدخل الجيل الثالث للحقوق؟

عبّر معنا كتب في 8 ديسمبر، 2022 - 19:45 تابعوا عبر على Aabbir
المغرب
عبّــر

قد يبدو الحديث عن هذا الموضوع في نظر البعض مجرد ترف فكري أو تفائلا مبالغا فيه ، لكني أعتقد أن تفصيل المحاور الأساسية أدناه ربما يميط اللثام عن إرهاصات هذا الموضوع :
1 – ماذا نقصد بالجيل الثالث للحقوق ؟

2 – السياق العام لمدخل ادماج الجيل الثالث للحقوق في السياسات العمومية بالمغرب .
3- المجمع الشريف للفوسفاط نموذجا كأحد المرتكزات التي يعتزم المغرب الاعتماد عليها في تفعيل إدماج الجيل الثالث للحقوق في سياساته العمومية.

4 – الإكراهات والمخاوف التي قد تعترض تفعيل إدماج الجيل الثالث للحقوق في السياسات العمومية بالمغرب.

أولا : ماذا نقصد بالجيل الثالث للحقوق :
لم تبق لائحة حقوق الإنسان المعترف بها دولياً مقتصرة على الجيل الاول ( الحقوق المدنية والسياسية ) والجيل الثاني ( الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية) بل برز جيل ثالث لهذه الحقوق يضمن الظروف الملائمة للمجتمعات – لا سيما في الدول النامية – لتكون قادرة على توفير الجيلين الأول والثاني من الحقوق التي تم الاعتراف بها فعلياً. و تعتمد الفكرة الأساسية للجيل الثالث من الحقوق على مبدأ التضامن، حيث تتضمن الحقوق الجماعية للمجتمع أو الناس؛ كالحق في التنمية المستدامة والحق في السلام والحق في بيئة صحية. ففي معظم أنحاء العالم تدل ظروف الفقر المدقع والحروب والكوارث الطبيعية والبيئية أن هناك تطوراً محدوداً جداً في احترام حقوق الإنسان. لهذا السبب شعر الكثير من الناس أن الاعتراف بفئة جديدة من حقوق الإنسان أمر ضروري…

ثانيا : السياق العام لمدخل إدماج الجيل الثالث للحقوق في السياسات العمومية بالمغرب .
إن مخلفات أزمة الطاقة الاخيرة عقب اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية ، والتي انعكست سلبا على اقتصاديات الدول وساهمت بشكل كبير في إثقال كاهل القدرة الشرائية للمواطنين ، كرست بشكل عميق محدودية الاعتماد على المصادر الأحفورية ، الشيء الذي دفع عددا من القادة إلى تحفيز الارادة السياسية والمالية في عملية الاستثمار الجاد والجدي في الطاقات المتجددة كمصادر بديلة لخفض الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة…

على مستوى المغرب شرع الاستثمار في هذا المجال مطلع العشرية السابقة ، لكن كانت تنقصه الالتقائية في تنفيذه… اليوم و في ظل التوسع العمراني وتزايد عدد السكان ، وباستحضار الأزمة الحادة التي عرفتها البلاد على مستوى مخزون المياه الصالحة للشرب ، نتيجة موجة الجفاف التي ضربت المملكة، مؤشرة على حقيقة محدودية الإعتماد على السدود وحدها لضمان الأمن المائي للمغرب… دون أن نغفل طبعا الانعكاسات البالغة الاثر والتي قد يخلفها البطىء في البحث عن خيارات جديدة على وضع فئات عريضة من المواطنين خاصة في بلد يرتبط نشاطه الأساسي بالفلاحة و تربية الماشية و مجموعة من الأنشطة المرتبطة بهما ، الشيء الذي قد يجعل فئات عريضة من الشعب عاجزة حتى عن ضمان قوتها اليومي…

في هذا الصدد لابد أن نستحضر موقع المغرب باعتباره بلد يطل على واجهتين بحريتين ، كمحفز على التفكير في اللجوء الى تحلية مياه البحر كحل مستدام للتغلب على مشكلة اعتماد المملكة على مياه الأمطار خاصة بعد تجارب ناجحة له في هذا الصدد بكل من العيون واشتوكة ايت باها… لكن العائق الأكبر أمام اللجوء لهذا الحل يبقى هو الكلفة الطاقية لذلك ناهيك عن كلفة الانتاج…

إن التفكير في خفض تكلفة الانتاج ينطلق أساسا من فكرة الاعتماد على مصادر مستدامة و غير مكلفة ماليا عقب تشييدها طبعا ، والمغرب ولحسن حضه وبحكم موقعه الجغرافي دائما يستطيع الاعتماد على هذه المصادر كالطاقة الشمسية والريحية و غيرها… لذلك فالوقت يبدو قد حان الآن للتفكير في انطلاقة جديدة في هذا المسار وبشكل جاد، خاصة بعد الارهاصات التي جاءت من أعلى سلطة في البلاد إنطلاقا من إيلاء الملك محمد السادس موضوع الاستثمار أهمية واضحة تجلت في تكرار تطرقه لهذا الموضوع في خطبه الثلاث الأخيرة، مرورا بترأس جلالته جلسة عمل خصصت لتطوير الطاقات المتجددة والآفاق الجديدة في هذا المجال بتاريخ الثلاثاء 22 نونبر 2022 والتي تمحورت أساسا حول تسريع وتيرة تطوير الطاقات المتجددة، ولاسيما الطاقات الشمسية والريحية.

 

خاصة وأن المغرب وبناء على ما راكمه من تقدم وتجربة رائدة في هذا المجال ، يتعين عليه تسريع وتيرة تنزيل الطاقات المتجددة من أجل تعزيز سيادته الطاقية، وتقليص كلفة الطاقة، والتموقع في الاقتصاد الخالي من الكربون في العقود القادمة. ويتعلق الأمر، خصوصا، بتسريع وتيرة إنجاز المشاريع التي توجد قيد الإنجاز والدراسة ، وذلك برفع حصة هذه الطاقات إلى أزيد من 52 بالمائة من المزيج الكهربائي الوطني في أفق 2030.، وكذا التثمين الأمثل لتنافسية المغرب من أجل استقطاب مزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذا القطاع… وكتتويج لهذا المسار جاء استقبال الملك محمد السادس للرئيس المدير العام للمجمع الشريف للفوسفاط ، والذي عرض على أنظار جلالته معالم البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع (2023 – 2027) مع توقيع مذكرة التفاهم بين الحكومة ومجموعة OCP ،و يهدف هذا البرنامج بحسب مصطفى التراب ، ترسيخ المكانة العالمية لمجموعة OCP ، باستثمار إجمالي يقدر بـ 130 مليار درهم خلال الفترة 2023 – 2027، ويهدف إلى تحقيق نسبة إدماج محلي تصل إلى 70 في المائة، إضافة إلى مواكبة 600 مقاولة صناعية مغربية، وخلق 25000 منصب شغل مباشر وغير مباشر. وتسعى من خلاله المجموعة إلى تزويد جميع منشآتها الصناعية بالطاقة الخضراء بحلول سنة 2027. وستمكن هذه الطاقة الخالية من الكربون من تزويد المنشآت الجديدة لتحلية مياه البحر، من أجل تلبية احتياجات المجموعة، وكذا تزويد المناطق المجاورة لمواقع المجمع الشريف للفوسفاط بالماء الصالح للشرب والري ، بالاضافة الى كون هذه الاستثمارات ستمكن ودائما بحسب التراب ، على المدى البعيد، من وضع حد لاعتماد المجموعة، التي تعتبر المستورد الأول للأمونياك على الصعيد العالمي، على هذه الواردات، وذلك عبر الاستثمار في سلسلة الطاقات المتجددة – الهيدروجين الأخضر – الأمونياك الأخضر، مما سيمكنها من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة وحلول التسميد الملائمة للاحتياجات الخاصة لمختلف أنواع التربة والزراعات.

ثالثا – المجمع الشريف للفوسفاط نموذجا كأحد المرتكزات التي يعتزم المغرب الاعتماد عليها في تفعيل إدماج الجيل الثالث للحقوق في سياساته العمومية.

لماذا المجمع الشريف للفوسفاط نموذجا ؟ لقد شكل ترأس مصطفى التراب لهذه المؤسسة منذ سنة 2006 تحولا استراتيجيا في تاريخها ، فلا أحد ينكر بصمة الرجل في نقل مجمع الفوسفاط من مجرد شركة تابعة للدولة، إلى عملاق اقتصادي له فروع في مختلف البلدان عبر العالم، بل و أحد أبرز الأذرع الاقتصادية للمملكة في الخارج، خصوصا في القارة الأفريقية.
التراب الشغوف برياضة الكولف باعتباره رجل ثقة القصر والإطار الكبير الذي جاء من البنك الدولي بخبرة كبيرة في المجال المالي والتسويق ، لديه من المقومات ما يجعله يكسب هذا الرهان انطلاقا مما راكمه من نجاحات على مستوى التحول الذي عرفه المجمع الشريف للفوسفاط، علاوة على بقاء المؤسسة ، على الاقل على مستوى التدبير ، بعيدة عن التجاذبات السياسية أو الرقابة المباشرة لمؤسسات الدولة باعتبارها شركة تبقى في كنف القصر… هذا الوضع قد يلقى تحفظات من جهات حقوقية ، لكن الحديث عن المجمع الشريف للفوسفاط لا يجب أن ينسينا كمغاربة الجانب السيادي الوطني لهذه المؤسسة – باعتباره و رغم كل تلك التحفظات – يجب أن يبقى مؤطرا لنقاشاتنا ، خاصة في عالم أصبح يتطبعه التغول وتغيب عنه روح التضامن الدولي …

فالحديث عن إمكانية تحقق هذه الرؤية بحكم مميزات التراب وقدرته على الإنجاز ، على الاقل على نظريا وعلى الورق ، قد يفتح الباب مشرعا في مستويات أولى ، الى إنهاء اعتماد المركبات الكيماوية على مياه الشرب المخصصة للمواطنين ، بل و قد تحوله من مجرد مستهلك ، إلى مزود للتجمعات السكانية بهذه المادة الحيوية ، دون أن نغفل أنه بذلك ، سيكون قد استطاع خفض الكلفة الطاقية لإنتاجاته مما يعزز قدراته الاستثمارية من جهة و يزيد من تقليص هذه المؤسسة لمعدلات الانبعاثات الناتجة عن نشاطاتها… بل وفي مستويات اقتصادية و استراتيجية ، قد يتمكن المجمع الشريف للفوسفاط من تحييد مطالب مؤسسات ومنظمات دولية تستهدف تسويق منتوجاته عالميا – والتي ليست كلها بريئة – بما يفتح أسواقا جديدة أمام اكتساحه… و الاكيد أن هذا البرنامج ، لابد أنه سيحرك عجلة التنمية في المناطق التي تتواجد بها مجمعاته ويخلق فرصا جديدة للشغل ، إضافة إلى تمكين عدد من المقاولات المحلية والوطنية من تعزيز قدرتها التنافسية في مجال الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر…

ربعا – الإكراهات والمخاوف التي قد تعترض تفعيل إدماج الجيل الثالث للحقوق في السياسات العمومية بالمغرب.
أعتقد أنه من الواجب إظهار التخوف كشكل من أشكال التقييم الاستباقي ، و باعتباره يساهم كذلك في كشف بعض السيناريوهات غير المحسوبة والتي قد تحدث الفجوة بين المأمول و المنجز …

مناسبة إبداء هذه المخاوف ، تنبع أساسا من فعل إفشال عدد من المشاريع في هذا الوطن ، فكلما انتقلنا هبوطا في سلم المسؤوليات تبدأ العراقيل والبيروقراطية و تتعقد المساطر… الشيء الذي قد يفلت على المغرب لحظة تاريخية فارقة جديدة ، خاصة في ظل تغول الفساد الإداري ، ناهيك عن الزبونية والمحسوبية ، مما قد يعرقل تحقق تنمية مستدامة أو الاستثمار في بيئة صحية أو الولوج للتكنولوجيا الحديثة دون أن نغفل مسألة مهمة تؤرق بال المواطن في المغرب ألا وهي التوزيع العادل بين الأفراد والجماعات محلياً ووطنيا للفوائد الناجمة عن التنمية…

إن فرصة المغرب في الانخراط في تحقيق التقارب والتضامن بين الشعوب ، وتحطيم الفوارق بين الدول المتقدمة، والبلدان النامية… تنطلق أساسا من تعميق الروابط بين الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان بغض النظر عن وجود فرق نظري أساسي بين الجيلين الأول والثاني من الحقوق؛ حيث لا يتطلب النوع الأول من الحقوق من الحكومات أكثر من الامتناع عن بعض الأنشطة (وهو ما يسمى بالحقوق “السلبية”)، في حين أن الجيل الثالث يتطلب تدخلاً إيجابياً من الحكومات (وهو ما يسمى بالحقوق “الايجابية”).

 

بقلم: عبد الاله الوثيق
رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع