نضال العيش في الوطن

عبّر معنا كتب في 17 يناير، 2020 - 18:00 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

بقلم: نعيمة تشيشي

كلنا مناضلون، لأن النضال لم يعد هو تحرير الوطن وإنما العيش فيه…منذ أن كنا أطفالا ، ونحن نسمع عن أناس ساهموا بنضالهم في تحرير الوطن من جبروت المستعمرين، كما كنا نفرح كثيرا عندما نسمع كيف كانوا يستعدون لمعاركهم ضد المستعمر، ونزدد فرحا وفخرا عندما نسمع عن انتصاراتهم ضد العدو.

 

لكننا لم نسمع يوما عن أناس ذاقوا ويلات الحرمان والفقر، وناضلوا من أجل الاستمرار في هذه الحياة، ولم نسمع عن استعداداتهم في المعارك التي يخوضونها كل يوم. الفرق في هاته المعارك أن الأولى كانت في زمن محدد، أما الثانية فهي معركة يومية .

 

أليست بائعة الخبز تلك التي تقبع في الزاوية، ويبدأ يومها قبل طلوع الشمس، من أجل تحضيره وتمضي جل يومها في انتظار بيعه مناضلة هي أيضا . أليس ذلك الرجل الذي يتخذ من القمامة مكان للعمل ،ويضع يديه وسط بقايا غير صالحة، ويمضي يومه في الانتقال من قمامة إلى أخرى ،ويمر من حوله أناس قد يشمئزون منه، أليس هذا نضال في حد ذاته، وبائع الفواكه ذاك الذي تعب من جر عربته في كل يوم من مكان لأخر خوفا من أن تدمر بضاعته أو تأخد .

 

نحن نناضل في كل يوم، بل وفي كل ساعة كي نستمر في هذه الحياة، نناضل رغم معرفتنا أنه نضال لن يتم الاعتراف به ،إنه نضال لن يذكر في كتب التاريخ ولن يتحدث عنا أي أحد، سيبقى نضال ذاتي نضال لقمة العيش، نضال البحث عن حياة أفضل، نضال المحرومين من الحياة، أجل الحياة التي سلبت منا،

 

إلى متى ستستمر هذه المعاناة ويستمر معها العيش في القهر والذل والمهانة، ألم يحن الوقت بعد في أن ترأف القلوب بهؤلاء المناضلين في الحصول على قطعة من الخبز دون خوض معركة طاحنة.

وكم من مئات المناضلين يموتون في كل يوم، وهم في المعركة، أجل في تلك المعركة التي كان فيها هو فقط ضد الفقر والحرمان من أبسط شروط الحياة ، ألا يستحق هو أيضا في أن يكتب عنه في كتب التاريخ ،ويستخدم كرمز للكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة.

ألا تستحق تلك العجوز المسنة التي لا تقوى على المشي وتجوب الشوارع والأزقة، من أجل قطعة من الخبز اليابس، أن يكتب اسمها مع أولئك المناضلين، وتلك الأرملة التي تركها زوجها بعد معركة خاسرة تكافح لوحدها، تلك أيضا تستحق لقب مناضلة .

 

أليس من حق أبنائنا أن يعرفوا أن الاستمرار في العيش في واقع مثل هذا هو نضال، حتى لا يصدموا من أحلامهم الوردية كما صدمنا وإذا ما سئلني ابني يوما عن النضال سأخبره كل شيء ،أجل سأخبر ابني عن كل المناضلين الذين دافعو عن الوطن ،لكن سأضيف اسمي أنا أيضا كيزدد فخرا بي وكي تتغير له المفاهيم، وسأخبره أيضا أن الحياة هنا هي كفاح منذ الوهلة التي تصبح فيها أنت والعدو في معركة لوحدكما، لن أخبره في أي عمر ستبدأ معركته الطاحنة هته، فقد تبدأ وهو لم ينهي حتى مرحلة طفولته، المهم أنني سأخبره كل شيء عن النضال كيهيئ نفسه جيدا للمعارك التي سيخوضها.

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع