من هو عراب سياسة الفرنسة بالمغرب يا أستاذ عصيد؟

عبّر معنا كتب في 1 فبراير، 2020 - 14:22 تابعوا عبر على Aabbir
مبارك بلقاسم
عبّر

مبارك بلقاسم

 

 

تشتكي يا أستاذ أحمد عصيد من التأجيل المتوالي لقانون المجلس الوطني للغات. والواضح من ذلك أن شهيتك للقوانين التنظيمية (المبنية على الفصل الدستوري رقم 5 الكارثي) هي شهية ما زالت جد مفتوحة!
بعد بسطيلة الحنظل الكارثية المسماة “القانون التنظيمي 26.16 لمراحل ترسيم اللغة الأمازيغية” (أو “قانون إعدام ترسيم الأمازيغية” كما وصفه الأستاذ محمد بودهان) وهي بسطيلة عجنتها الدولة وطبختها الحكومة ودهنتها الأحزاب وباركتها المحكمة الدستورية في شتمبر 2019 كيف يعقل أنك يا أستاذ عصيد ما زلت تقول: “هل من مزيد؟”؟!
هل ما زالت شهيتك مفتوحة لمزيد من بسطيلات “القوانين التنظيمية” الحنظلية الكارثية على الأمازيغية؟!
عجيب. عجيب. عجيب.
الدولة المغربية بهدلت اللغة الأمازيغية منذ عام 2011 في الفصل رقم 5 من الدستور المغربي الجديد وجعلت الأمازيغية في الدستور لغة رسمية ثانوية تحتانية أقل شأنا من العربية وأسفل مرتبة من العربية شكلا ومضمونا. وقيد هذا الفصل الدستوري الخامس ترسيم الأمازيغية وجعلها تحت رحمة “قانون تنظيمي” يكتبه السياسيون في البرلمان لينفذه بيروقراطيو الإدارات حسب مزاجهم و”تأويلهم”. إنه ترسيم دستوري شكلي مجمد مؤجل ممرحل مقطر يعامل اللغة الأمازيغية بسياسة الجرعات والحقنات والتقطير وتضييع الوقت. إنه يعامل الأمازيغية كلغة أجنبية. لهذا يجب تعديل هذا الفصل الدستوري الخامس قبل كل شيء آخر وإلا ستستمر معاناة اللغة الأمازيغية طيلة القرن 21 الذي استهلكنا منه الآن 20% في الخواء الخاوي بحصيلة صفرية مسفنجة ونحن الآن في 2020.
أربع حقائق دستورية تتجاهلها يا أستاذ عصيد أنت وأنصارك وأتباعك:
1 – الفصل الدستوري الخامس يجعل العربية أعلى مرتبة ومنزلة من الأمازيغية، ويجعل الأمازيغية لغة رسمية ثانوية تحتاتية ذات مرتبة سفلية، بينما الأمازيغية هي اللغة الأصلية القومية للمغرب Murakuc.
2 – الفصل الدستوري الخامس يقيد ترسيم اللغة الأمازيغية بأداة ماكرة اسمها “القانون التنظيمي” مثل مسمار جحا.
3 – الفصل الدستوري الخامس يقزم ترسيم اللغة الأمازيغية في ما أسماه “المجالات ذات الأولوية” (بدل أن يكون الترسيم كاملا مطلقا يشمل كل المجالات). أما ترسيم العربية في الدستور فهو مطلق كامل شامل سرمدي لامحدود.
4 – الفصل الدستوري الخامس يؤجل ترسيم اللغة الأمازيغية إلى المستقبل المجهول بعبارة “مراحل التفعيل” وعبارة “مستقبلا”. وجعل مدة هذه المراحل تحت رحمة السياسيين الذين يدبجون القوانين حسب أجنداتهم السياسية والأيديولوجية وتحت رحمة البيروقراطيين في الإدارات الذين ينفذون هذه المراحل على مزاجهم.
إذن في الفصل رقم 5 من دستور المغرب لدينا:
– إذلال اللغة الأمازيغية.
– تقييد اللغة الأمازيغية.
– تقزيم اللغة الأمازيغية.
– تأجيل اللغة الأمازيغية.
ثم جاء الحزب الإسلامي الإخواني، أكبر عدو للأمازيغية في العصر الحديث، بدوره ليبهدل اللغة الأمازيغية فجرجرها في البرلمان بين 2011 وَ 2019 بالقانون التنظيمي 26.16 المبني على الفصل الدستوري الخامس.
ومثلما فشل تدريس الأمازيغية بتيفيناغ فشلا ذريعا فإن الفشل الذريع ينتظر هذا الترسيم المشوه بسبب العيب الخلقي الموجود في الفصل رقم 5 من الدستور فضلا عن كون الترسيم بحرف تيفيناغ غير قابل للتطبيق الوظيفي حاليا.
وقد وصف الأستاذ محمد بودهان ذلك القانون التنظيمي الذي صدر في نسخته النهائية عام 2019 بـ”قانون إعدام ترسيم اللغة الأمازيغية”. لقد تم وضعه في الدستور في 2011 خصيصا لفرملة وتجميد ترسيم اللغة الأمازيغية.
ومن يدعي أن الدولة المسكينة تجهل كيف ترسّم اللغات وأنها تحتاج “قانونا تنظيميا” يأخذ بيدها ويدلها على “الكيفيات” فكيف إذن رسمت الدولة اللغتين العربية والفرنسية في الإدارات منذ 1912 بدون أي قانون تنظيمي؟!
ما زلت يا أستاذ عصيد أنت وأنصارك تلتزمون التزاما دينيا طقوسيا عجيبا بالفصل الدستوري رقم 5 وترفضون الاعتراف أمام المغاربة بأن معاناة اللغة الأمازيغية سببها هو ذلك الفصل الدستوري الخامس الكارثي.
ترفض يا أستاذ عصيد أنت وأنصارك أن تعترفوا بأن اللغة الأمازيغية لن تستقيم أمورها إلا بتعديل ذلك الفصل الدستوري الخامس حتى تكون اللغة الأمازيغية لغة رسمية عالية لا تعلو عليها لغة أخرى في الكون، وحتى تكون رسميةُ اللغة الأمازيغية رسميةً كاملة شاملة ومطلقة وفورية بنص الدستور نفسه وبمنطوقه الحرفي القاطع بلا أية خدع إنشائية ولا ألاعيب تأجيلية وسياسوية وحزبوية مثل ذلك “القانون التنظيمي” الكارثي.
ومن اللافت للانتباه أنك استخدمت يا أستاذ عصيد عبارة “التمكين للفرنسية” في مقالك الأخير “مشروع قانون مجلس اللغات صورة لارتباك الدولة”. وعبارة “التمكين للفرنسية” هي ابنة خطاب التعريبيين والإسلاميين الساخطين على هيمنة الفرنسية. فالإسلاميون والتعريبيون يريدون “التمكين للعربية” ويستنكرون دوما “التمكين للفرنسية” لأنهم رافضون لوجود الفرنسية (ورافضون لوجود الأمازيغية ولكن لا يقولون ذلك صراحة خوفا من الغضب الشعبي).
فهل أصبحت يا أستاذ عصيد في 2020 فجأة رافضا للفرنسية أو ساخطا على هيمنة الفرنسية في المغرب أو ساخطا على سياسة “التمكين للفرنسية” التي تنهجها الدولة المغربية؟
لا أعتقد.
بل أنت من أنصار سياسة الفرنسة يا أستاذ عصيد فلا تتظاهر أمامنا اليوم في 2020 بأنك متذمر من قيام الدولة بـ”التمكين للفرنسية”.
أنت يا أستاذ عصيد من بين أبرز الذين روجوا لفرنسة المواد المدرسية في 2019.
أنت عراب سياسة فرنسة التعليم يا أستاذ عصيد.
أنت الذي زعمت يا أستاذ عصيد في 2019 بأن اللغة الأمازيغية غير قادرة على تدريس المواد العلمية في الإعداديات والثانويات المغربية. وقد فندتُ أنا مزاعمك أنت وأنصارك بعدة مقالات لي بينتُ فيها بالأمثلة أن اللغة الأمازيغية قادرة الآن على تدريس العلوم في الإعدادي والثانوي وأن الحرف اللاتيني يسهل تمزيغ التعليم المغربي.
ها هو كلامك حرفيا يا أستاذ عصيد: “إن العودة إلى تدريس العلوم باللغة الفرنسية أو الانجليزية ينبغي أن يكون قرارا لا رجعة فيه، وكل اعتقاد بأن اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية يمكنهما القيام بذلك هو من قبيل الوهم والعناد المحض إيديولوجي”. (مقالك “في أنّ تدريس العلوم باللغة الأجنبية ضرورة” في 20 فبراير 2019).
أولا: استعمالك عبارة “أو الإنجليزية” هو مجرد حشو إنشائي لأنك لم تقترح يوما إلغاء الفرنسية وتبني الإنجليزية.
ثانيا: حسب كلامك يا أستاذ عصيد فإن من يطالب بتمزيغ Asemzeɣ المواد العلمية في الإعداديات والثانويات المغربية (خصوصا أن الحرف اللاتيني يسهل ويسرع التمزيغ) إنما هو متوهم عنيد أيديولوجيا!
أليست هذه قمة التفرنس والتنكر للأمازيغية من طرفك يا أستاذ عصيد؟!
(طبعا موقفك المتفرنس هذا مدفوع بالحسابات التيفيناغية الإيركامية لأنك تعلم علم اليقين أن تمزيغ المواد العلمية الإعدادية والثانوية بحرف تيفيناغ متعذر حاليا ومستقبلا، والحرف اللاتيني الذي يسهل التمزيغ محظور يحرمه الإسلاميون الإخونج على الأمازيغية تحريما قاطعا منذ 2003، فَهَرَبْتَ إذن إلى خيار الفرنسة يا أستاذ عصيد).
“التمكين للفرنسية” هو موقفك يا أستاذ عصيد. ونحن نتذكره جيدا. وحتى لو كان المخزن يفعل ما يشاء بالبلاد والعباد فالمواقف تسجل على صاحبها سواء تم تنفيذها أم لا. قول الحق له قيمة ذاتية سواء تم تطبيقه أم لا.
لم نسمعك يوما يا أستاذ عصيد تشتكي أو تتذمر من كون الفرنسية لغة رسمية إدارية للدولة المغربية منذ 1912. ولم تتساءل يوما عن محل الفرنسية من الإعراب في إدارات المغرب بمدنه وقراه النائية.
لم تطالب يا أستاذ عصيد يوما بطرد تدريجي للفرنسية من المغرب.
لم تطالب يا أستاذ عصيد يوما بالبدء في إحلال الإنجليزية محل الفرنسية في المغرب كلغة علمية في التعليم العالي.
لم تطالب يا أستاذ عصيد بتبني نموذج جامعة الأخوين الكائنة في Ifran وفرعها في Anfa والتي تدرس كل التخصصات العلمية بالإنجليزية 100% للمغاربة من أبناء الأثرياء وعلية القوم، وحتى الأجانب يدرسون فيها. ولم تطالب باستنساخ نموذج جامعة الأخوين ومقرراتها إلى كل الجامعات المغربية لكي يستفيد كافة المغاربة من دراسة العلوم بالإنجليزية بدل أن يستفيد فقط أبناء النخب وعلية القوم من التعليم الأمريكي بالإنجليزية في مدينة Ifran.
لم تتساءل يا أستاذ عصيد يوما عن مشروعية تدريس الفرنسية إجباريا منذ سنوات الابتدائي للتلاميذ المغاربة.
ولم يصدر عنك يوما ما يفيد أنك غير مرتاح إزاء هيمنة الفرنسية الطاغية على المغرب.
ولا يزعجك احتكار الفرنسية للحرف اللاتيني بالمغرب وحرمان الأمازيغية من الحرف اللاتيني.
لم تتساءل يا أستاذ عصيد يوما عن شرعية كون اللغة الفرنسية لغة رسمية للدولة المغربية في كل الوثائق الإدارية وفاتورة الماء والكهرباء والتلفون وكشوفات الحسابات البنكية والضريبية والعقود التجارية رغم أنها وظائف جد بسيطة تستطيع اللغة الأمازيغية القيام بها بسهولة.
فلا يوجد طلب شعبي مغربي بأن تكون فاتورة الماء والكهرباء أو شواهد الإدارات أو رسالة البنك إلى زبنائه المغاربة باللغة الفرنسية. إنه مجرد تحذلق و”تفنطيز” فرنكوفوني تمارسه الشركات والإدارات العمومية سيرا على نهج “سياسة التعريب والفرنسة” التي تطبقها الدولة المغربية منذ 1912.
ماذا تفعل الفرنسية في إشهار الشامبو وإشهار التلفون وإشهار البنك الفلاني ونشرة الأخبار والرسوم المتحركة الموجهة للأطفال على التلفزة العمومية؟! لماذا تضييع أموال الشعب على الفرنسية؟!
ما دخل الفرنسية في فاتورة كهرباء أو في رسالة بنكية موجهة إلى مواطن مغربي بسيط في Tarudant مثلا؟
لم نسمعك يا أستاذ عصيد يوما تستنكر هذا الاستحمار الفرنكوفوني للمواطن المغربي.
تقول يا أستاذ عصيد إن الدولة مرتبكة إزاء اللغات. نعم الدولة/المخزن/السلطة مرتبكة والمثقفون مرتبكون لأن الوضع اللغوي بالمغرب شاذ غير طبيعي. وهذا الشذوذ هو سبب الفتن والقلاقل اللغوية التي لا تنتهي بالمغرب.
فلغة المغرب الأصلية التاريخية القومية الأمازيغية منبوذة على أرض الواقع وهي لغة رسمية ثانوية في الدستور تعاني فيه من الطبقية والتمييز، وترسيمها مجمد ومقيد بأغلال الفصل 5 الدستوري وبأصفاد “القانون التنظيمي”.
واللغة الفرنسية تسيطر على المغرب كلغة رسمية واقعية بسياسة الدولة وبرضى وقبول وتشجيع المثقفين أمثالك.
وأسماء المدن والأقاليم مشوهة في إدارات ومدارس وشوارع المغرب بسبب الفرنسية: Salé بدل Sla ، وَ Safi بدل Asfi ، وَ Casablanca بدل Anfa ، وَ Tanger بدل Ṭanja ، وَ El Jadida بدل Maziɣen ، وَ Assilah بدل Aẓila ، وَ Khénifra بدل Xnifṛa ، وَ Rabat بدل Eṛṛbaṭ ، وَ Témara بدل Tmara ، وَ Al Hoceïma بدل Elḥusima ، وَ Nador بدل Ennaḍor ، وَ Tiflet بدل Tifelt ، وَ Missour بدل Misur ، وَ Souss بدل Sus ، وَ Guisser بدل Giser ، وَ Fès بدل Fas ، وَ Tamassint بدل Tamasint ، وَ Guigou بدل Gigu ، وَ Guercif بدل Gersif ، وَ Imouzzer بدل Imuzzar ، وَ Marrakech بدل Meṛṛakec ، وَ Meknès بدل Meknas …إلخ والمثقفون في دار غفلون أو يسايرون.
والعربية الفصحى لغة مقدسة هي بمثابة ركن سادس للإسلام لا يصح إسلام الأمازيغ إلا بها ولا يقبل الله الصلاة منهم إلا بها ولا أحد يتحدثها كلغة أم بالمغرب ولا بغيره. ومكانتها في الدستور المغربي أعلى من الأمازيغية.
والناطقون باللغة الدارجة في حيص بيص حائرون تائهون مضطربون لا يعرفون هل الدارجة جزء من العربية أم هي لغة قائمة بذاتها لها قواعدها النحوية ولهجاتها المحلية الدكالية والجبلية والوجدية والمراكشية والحسانية، ويشعرون بالغبن لأن العرب الحقيقيين في آسيا لا يفهمون الدارجة المغربية (لأنها خليطة بالأمازيغية في النطق والنحو والمعجم طبعا)، ويضطر المغاربة الناطقون بالدارجة إلى تقمص المصرية أو اللبنانية أو الفصحى لكي يفهمهم العرب، ويتكلم هؤلاء المغاربة دارجتهم في بيوتهم مع أولادهم وأحبابهم كلغة أم ولكن أغلبهم يستشيط غضبا وجنونا لمجرد وجود كلمة دارجية مثل “لبغرير” في كتاب مدرسي مغربي وكأن الدارجة لغة نجسة شيطانية.
إذا كانت الدارجة لهجة عربية فلماذا يريدون إبادتها من الكتاب المدرسي ويرفضون خلطها بأمها العربية الفصحى؟! وإذا كانت الدارجة لغة مستقلة فلماذا يرفضون أن تدرس كلغة مستقلة بجانب العربية الفصحى والأمازيغية؟!
طبعا الدولة المغربية مرتبكة. والشعب المغربي مرتبك. وفكرة “مجلس اللغات” هي في حد ذاتها مؤشر على ارتباك الدولة. فلماذا يجب أن يكون للغات في المغرب “مجلس” بميزانية ريعية ومقر فخم مكلف ومتريعين وبقانون تنظيمي يقربل البرلمان؟! واش لمغريب شبعان فلوس؟! ألا يكفي أن يكون هنالك ترسيم عادل في الدستور وميزانية عادية للتعليم تقسم بالتساوي بين اللغتين أو اللغات المعنية؟! لماذا “المجلس” أصلا؟! راه لمغريب ما شبعانش فلوس.
هذا مبرر إضافي لتعديل الفصل الدستوري الخامس وحذف حكاية القانونين التنظيميين و”مجلس اللغات” تماما.
أنتم يا أستاذ عصيد والحركة الأمازيغية طالبتم بدسترة الأمازيغية فأخرجت الدولة في 2011 تحت ضغط حركة 20 فبراير ترسيما أعوج للغة الأمازيغية في الفصل الدستوري 5: ترسيم ولكنه ليس بترسيم. فقبلتم به بارتباك وعلى مضض وبدأتم منذئذ تعتنقون تدريجيا وجهة نظر الدولة ومصطلحاتها وإيقاعها في موضوع الأمازيغية، وبقيتم تنتظرون “الإفراج” عن “القانون التنظيمي” (وفكرة “القانون التنظيمي” سخيفة من اختراع مخزني صرف لا لزوم لها إلا فرملة الأمازيغية بالفرامل البيروقراطية). ثم لما تمخض البرلمان تمخيضته الميمونة المباركة فولد الفأر المسمى “القانون التنظيمي” لم تعجبكم طلعته البهية ولا مضمونه الكارثي فاستنكرتموه ثم جاءتكم صفعة المحكمة الدستورية التي باركت ذلك “القانون التنظيمي”، ثم سكتتم عن الكلام المباح وقبلتم بالأمر الواقع يا أستاذ عصيد. ثم الآن تريد يا أستاذ عصيد تكرار نفس الفيلم الهندي الرديء مع “قانون تنظيمي” جديد خاص بمجلس اللغات والثقافة، وأنت تتغافل عن أن المشكل الجذري كائن في الفصل الدستوري رقم 5.
والبارحة في 2019 ساندتَ يا أستاذ عصيد بحماس سياسة فرنسة التعليم وأهملتَ مطلب تمزيغ المواد المدرسية (بالحرف اللاتيني مثلا). واليوم في 2020 تتذمر يا أستاذ عصيد من قيام الدولة المغربية بـ”التمكين للفرنسية”!
تشتكي يا أستاذ عصيد من صراع الكواليس حول إدماج أو عدم إدماج الإيركام (وميزانيته) وغيره في مجلس اللغات. وهذه كلها صراعات ريعية كواليسية دهاليزية لا تهم المواطن المغربي.
تمجد في الإيركام وتمدحه في أية فرصة يا أستاذ عصيد، لأنك موظف لديه طبعا. هذا الإيركام هو كارثة على الأمازيغية بدءا بفضيحة التصويت على الحرف عام 2003 حين حُرِمَتْ اللغة الأمازيغية من الحرف اللاتيني العالمي الذي كنت تسانده يا أستاذ عصيد إلى أن انقلب رأيك لحسابات سياسية بسبب الضغوط الإسلامية. والإنتاج الإيركامي من المطبوعات الذي تصفه بالغزير هو شحيح وضعيف وكثير منه مليء بالأغلاط. وقد بينتُ بالتفصيل في مقال سابق لي للقراء المغاربة سقطة الإيركام الشنيعة في ترجمته للدستور المغربي المليئة بالأغلاط النحوية والترجمية والإملائية الفادحة، وقدمتُ للقراء ترجمتي الكاملة للدستور المغربي إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
وهنالك أغلاط لغوية نحوية وترجمية كثيرة يرتكبها الإيركام في منشوراته ناقشت بعضها سابقا ولكن أبرزها هو إصرار الإيركام العجيب على كتابة اسم “المغرب” باستعمال كلمة دارجية هي ⵍⵎⵖⵔⵉⴱ (لمغريب) أو ⵍⵎⴰⵖⵔⵉⴱ (لماغريب). هذه كلمة دارجية يا أستاذ عصيد تنتمي إلى اللغة الدارجة. فلماذا يصر إيركامك على استعمال كلمة من اللغة الدارجة لتسمية المغرب ويتجاهل الكلمة الأمازيغية Murakuc التي هي الاسم الأمازيغي للمغرب؟ فأنت تعلم علم اليقين يا أستاذ عصيد أن Murakuc هو الاسم الأمازيغي للمغرب. أليس كذلك؟!
رفاهية الإيركام وراحته وسعادته لا تهمنا.
سواء تم إدماج الإيركام في مجلس اللغات أم لم يتم الإدماج فهذا لا يهمنا.
سواء انخفضت رواتبكم أو ارتفعت فهذا خارج عن إرادتنا.
البصارة هي البصارة سواء أكلناها بالملعقة أم بالخبز.
كا تتدابزو تمّا بيناتكوم على لبيصارا: واش نوكّلوها لشّعب لمغرابي لموراكوشي لمسكين بلمعلقا؟ ولّا بلخبز؟ ولّا بلفورشيطا؟
راه ما بغيناش لبيصارا ديالكوم آ سّي عاصيد!
وإنما الذي يهمنا هو معاناة اللغة الأمازيغية مع الفصل 5 من الدستور المغربي الذي تسكت عنه أنت وأنصارك يا أستاذ عصيد. فهذا هو أصل المشكل. وكل هذا الفيلم الهندي العيساوي المعربد المتمثل في حروب القوانين التنظيمية وحروب مجالس اللغات واللهجات هو فيلم رديء من إنتاج الفصل الدستوري الخامس الكارثي.
يجب تعديل الفصل الدستوري الخامس لترسيم اللغة الأمازيغية ترسيما حقيقيا كاملا فوريا ويجب أن تكون اللغة الأمازيغية في الدستور لغة رسمية عالية لا تعلو فوقها لغة في الكون.
وبما أن اللغة الأمازيغية واللغة العربية الفصحى لغتان مطلوبتان شعبيا في المغرب (الأمازيغية لسبب قومي، والعربية الفصحى لسبب ديني) فالحل العملي المعقول هو أن يتم تعديل الفصل الدستوري الخامس بجعل اللغة الأمازيغية واللغة العربية لغتين رسميتين للدولة بالمساواة الكاملة في نفس الجملة الدستورية، وأن يكون الترسيم فوريا كاملا شاملا مطلقا غير مقيد بأي قانون ولا بأية مراحل ولا بأية ألعوبة من الألاعيب التأجيلية الأخرى.
“القانون التنظيمي” مهزلة استنكرتها أنت وغيرك يا أستاذ عصيد فلماذا تتمسك به على مضض؟! تستنكر الشيء وتستبشعه ثم تتمسك به على مضض؟!
أين المبادئ هنا؟ غير موجودة. تقبلون بكل شيء وأي شيء على مضض ولو كان حنظلا.
هل ستقول يا أستاذ عصيد أنك مجرد مثقف وحقوقي لا تتدخل في السياسة وتعديل الدساتير؟
لا يا أستاذ عصيد. أنت سياسي غارق في السياسة إلى أذنيك. وهذا ليس عيبا ولا جرما في حد ذاته. وإنما هذا التورط في السياسة يستتبع المسؤولية والمحاسبة.
نتا كا تدير سّياسا آ سّي حْمدْ عاصيد.
Keyyi ar tetteskaret tasertit a mass Ḥmed Ɛaṣid
فتعاملك مع الأحزاب يمينا ويسارا وتقديمك المقترحات والمذكرات إليها ودخولك طولا وعرضا في كل القضايا السياسية والاجتماعية المغربية هو سياسة في سياسة. السياسي ليس بالضرورة مشاركا في الانتخابات أو البرلمان أو الوزارة. السياسي قد يكون نشيطا في الكواليس أو الإعلام أو الدهاليز أو المؤتمرات الحزبية أو في مؤسسة عمومية.
ودخولك طولا وعرضا في “القانونين التنظيميين” هو سياسة في سياسة. ومطالبتك المتكررة بتعديل القانون الجنائي المغربي هي سياسة في سياسة.
ومع انخراطك في السياسة إلى أذنيك وتعاملك مع مختلف الأحزاب يا أستاذ عصيد ألم يخطر ببالك يوما أن تطلب من حزب أو من نواب برلمانيين أن يقدموا مقترحا في البرلمان لتعديل الفصل رقم 5 من دستور المغرب لإنصاف اللغة الأمازيغية ولمساواتها بالعربية ولرفع لعنة القانون التنظيمي عنها؟! فالدستور المغربي الحالي (الفصلان 172 وَ 173) يسمح لأي نائب برلماني أن يقدم مقترحا بتعديل الدستور تصوت عليه الغرفتان البرلمانيتان.
وكل هذا يعني أنك يا أستاذ أحمد عصيد مسؤول أمام الشعب المغربي كبقية السياسيين والشخصيات العمومية عن استمرار وضعية اللغة الأمازيغية المزرية السيئة الكارثية في الفصل الخامس من الدستور المغربي وما يترتب عنه.
إن هذا النقد الذي أوجهه إلى الأستاذ أحمد عصيد هو موجه أيضا إلى كل أنصاره والمعجبين به وإلى عامة الحركة الأمازيغية وإلى كل مغربي يتساهل مع هذه “السياسة البربرية الجديدة” التي أنتجت الوضعية الكارثية للأمازيغية.
لن تستقيم أمور اللغة الأمازيغية إلا بتعديل وتقويم اعوجاج الفصل 5 من دستور المغرب.
ها هي صيغة مقترحة لتعديل الفصل الدستوري الخامس:
Tamaziɣt ed Taɛrabt d-nitenti yellan d-tutlayin tisiranin en Uwanak en Murakuc, aha yuccel i Uwanak ad tent yessewri es tugdat deg wakk tuddsiwin ed tdeblin ed tsenbaḍin ed warraten, aha yuccel ad ttwaslemdent es tugdat deg wakk iɣerbazen ed yiswiren islemdanen i Yimurakucanen aɣrud nsen
“الأمازيغية والعربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية، ويجب على الدولة أن تستعملهما بالمساواة في كل المؤسسات والإدارات والمحاكم والوثائق، ويجب تدريسهما بالمساواة في كل المدارس والمستويات التعليمية للمغاربة جميعا.”
[email protected]

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع