مادة الاجتماعيات..مجرد معارف أم أسلوب في التفكير؟

عبّر معنا كتب في 21 أغسطس، 2019 - 12:04 تابعوا عبر على Aabbir
مادة الاجتماعيات
عبّر

بقلم: ذ . عبدا لهادي الموسولي

 

تؤكد جل الآراء داخل المجتمع أن مادة الاجتماعيات في المناهج التعليمية مجرد معارف تتطلب جهدا كبيرا في حفظها واستظهارها من طرف المتعلمين .وهذا حكم مجحف في حق هذه المادة العلمية التي تخدم بشكل كبير المسار العلمي والتعلمي للتلاميذ والطلاب .وتنمي فيهم مقومات الشخصية النقدية وحب الاستطلاع.

وبغض النظر عن المقاربات البيداغوجية فان مادة الاجتماعيات عكس كل التمثلات الشعبوية والأحكام الجاهزة، التي تنم عن جهل عميق بالمادة وقيمتها العلمية الكبيرة، ودورها في التفتح الذهني للمتعلمين، فان مادة الاجتماعيات هي أسلوب واقعي في التفكير ، وهي منهج علمي يجمع بين ما هو إنساني وما هو تجريبي، إنها مهارة في التفكير تقوم على مبدأ التشخيص والتحليل وبناء التقاطعات المنطقية بغرض الوصول إلى الحقيقة، المادة بها زخم معرفي ومنهجي تستمده من مكوناتها الثلاث: التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة .

فالتاريخ يوفر للمتعلم إمكانية السفر في الزمن ليدرك الحاضر بكل إشكالاته ، بل ويشيد عليه منصة صلبة لاستطلاع المستقبل .ودراسة التاريخ تنمي في المتعلم الحس النقدي المبني على منطق الأحداث التاريخية . وباستعمال النهج التاريخي المبني على التعريف والتفسير والتركيب يتوصل المتعلم إلى تحليل المضامين وفق بناء كرونولوجي لوقائع التاريخ وتزداد حلاوة دراسة التاريخ كلما تواجد أستاذ فنان يبسط الأمر ويقف على نفس المسافة من أحداث التاريخ .يتمتع بمهارة التوجيه والإرشاد . وقد يجد المتعلم متعة معرفية عندما لا يقف عند مجرد المعرفة الذاتية للشخصيات التاريخية ، بل يتجاوزها إلى المعرفة المعنوية والوظيفية … دراسة التاريخ تتطلب طرح العديد من الأسئلة المحرجة ، التي تخرج غالبا عن المعطيات المسطرة ، وهذه خاصية يتشاركها التاريخ مع أم العلوم : الفلسفة .التاريخ يجعل دارسه إنسان متمرد على الواقع ، لا يمكن إقناعه إلا بأسلوب علمي دقيق . ومن هنا تتبلور الشخصية العلمية للمتعلمين .

بينما الجغرافيا تمكن المتعلم من تعرف المجال الجغرافي المحلي والوطني والإقليمي والدولي … بكل مكوناته ووظائفه . وبتنوع علوم الجغرافيا تزداد متعة المتعلم في التحصيل المعرفي والعلمي (ج.اقتصادية . بشرية .طبيعية . سياسية .بيئية …) وكلما تم ترسيخ عناصر النهج الجغرافي (الوصف.التفسير.التعميم) في ذاكرة وسلوك المتعلم ، كلما أصبح أكثر دراية بالمجال ووظائفه واكراهاته .فالجغرافي كالطبيب : يصف الظاهرة الجغرافية ويشخصها ثم يحدد الأسباب المسؤولة عنها ، ليبني مجموعة من القواعد الجغرافية التي تسهل التعامل مع المجال وتحد من مشاكله … الجغرافيا مادة للتفتح الذهني داخل الفصل الدراسي وخارجه .داخل الفصل تجعل المتعلم ينتقل بين العديد من الدعامات الديداكتيكية والمهارات (جداول.مبيانات. خرائط.نصوص.صور…)وخارج الفصل يستطيع المتعلم إدراك المجال طبيعيا (سهول.هضاب.جبال …) وبشريا واقتصاديا (أرياف.مدن…). كما يدرك المتعلم عناصر الطقس ونوع المناخ ويتعرف الموارد الطبيعية لتترسخ لديه عناصر الثقافة البيئية .

أما التربية على المواطنة فهي مادة أشبه ما تكون بحصص التنمية الذاتية ، كلما كان الأستاذ موسوعيا في تكوينه الحقوقي والقانوني والأخلاقي ، كلما كانت هذه المادة مرنة ومفيدة لطلابه .فالتربية على المواطنة ترسخ لدى التلاميذ مجموعة من المفاهيم التي لها علاقة بقيم المواطنة وحقوق الإنسان. تعرف بالمؤسسات الدستورية والمرافق العمومية والمباذىء الأساسية لحقوق الإنسان . كما تكسب المتعلمين قوة الاندماج في منظومة الحق والواجب . إنها المادة الوحيدة التي تستطيع بناء الثقة بين المتعلمين والمواطنة الصادقة ، وبالتالي المساهمة في تكوين مواطنين إيجابيين .وبالتالي فأستاذ المادة يؤدي وظيفة جليلة لا تستطيع أدائها المؤسسات السياسية كالأحزاب مثلا .

الاجتماعيات أسلوب واقعي في التفكير تجعل الإنسان يغير نظرته السطحية للعالم ، وتنمي فيه الفضول المعرفي ، وتهيئه ليكون مثقفا حقيقيا وتخلصه من كذب الدعاية الإعلامية . وبها يستطيع الإنسان أن يحارب الأمية الفكرية المعاصرة التي نتجت عن التخصص. الاجتماعيات شقيقة الفلسفة في التفكير . لكنها أكثر واقعية من الفلسفة.

الملك يفاجأ ساكنة طنجة بزيارة غير رسمية

لقطات طريفة عفوية للأمير مولاي الحسن في خطاب الملك محمد السادس

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع