كورونا تمتحن ادعاء أمريكا كأعظم دولة اقتصادية

الأولى كتب في 27 مارس، 2020 - 21:24 تابعوا عبر على Aabbir
كورونا تكشف وهم عظمة أمريكا أكبر دولة اقتصادية
عبّر

عبد العالي الشرفاوي ـ عبّر

 

 

 

 

بدت الصين الدولة الوحيدة التي كانت غير مرتبكة في اتخاذ قرار واضح للتعامل مع تفشي كورونا المستجد كوفيد 19، رغم أنها تفاجأت به، في الوقت الذي كان أمام الدول الأخرى فرصة اتخاذ موقف مدروس وحاسم، إلا أن الحاصل أن الوقت كان كافيا لتبادل التفسيرات وصياغة نظريات المؤامرة، وكسب أكبر وقت ممكن لتحصيل أرقام ربحية للشركات الكبرى، قبل أن يستفحل انتشار الفيروس.

 

 

أغلب الدول الأوربية اختارت في البداية اعتماد نظرية مناعة القطيع، والتي انبنت على معطى أن مادام الفيروس سينتشر لا محالة، فالأفضل ان تتم التضحية بآلاف المستضعفين صحيا، والأقل مناعة، لتبقى فرصة الحياة كاملة للأقوى، وهي فكرة عميقة في الأساطسر الرومانية، قبل أن تتجلى في نظريات تفوق الجنس الآري، واللون الأبيض، إلا أن مع الضربات الأولى حصد الفيروس الصف الأول من رجال الصحة والشباب، والسياسيين الذي دعوا لهذه النظرية، وشوهدوا في المنابر الإعلامية يتقدمون باعتذارهم، واستدركوا بحل العزل، مطأطئين الرأس قليلا لجبروت الفيروس الذي لم يعتروا له على علاج خاص وصارم.

 

 

نظرية مناعة القطيع رغم حيثياتها وقوة دفوعاتها فهي لم تصلح لعلاج وباء كورونا، بقدر ما صلحت لتأكيد سيناريو المؤامرة، والحرب البيولوجية الباردة بين المختبرات العسكرية، إضافة إلى ما يمكن أن تزكي به النقد الأخلاقي للمختبرات العلمية التي تتختزل الإنسان في مجرد خلايا عضوية، وجينات، وأحماض نووية..قابل للتعديل والتشويه، وإعادة التدوير..انتهاء بتسليعه، وهو النقد الذي ظلت تيارات مابعد الحداثة، والتوجهات الدينية، تقاوم به جبروت الفكر المادي المتحكم في الأسواق، والمستنزف للثروات الطبيعية، والمسؤول المباشر عن الفساد البيئي.

 

الإرتباك واضح جدا، في محاولة الإجابة عن معادلة الاختيار بين الصحة والاقتصاد, وهو الامتحان العسير الذي هز الرئيس دونالد ترامب، الذي ظل يتأرجح بين كيل اتهامات هروبية للصين باختراعها للأزمة الصحية العالمية، ومن موقعه لا كرئيس أكبر دولة اقتصادية، بل أكبر مستثمر ومسوق، عينه ومكسبه في الأرقام، وتركيزه على الخوف من التفوق الصيني أكثر من التخوف من الفيروس، الذي بدا في أكثر من تصريح صحفي أنه مستهين بقوته ومازال ينعته بأنه فيروس صيني، رغم أنه أصبح عالميا.

 

التصريح الأخير الذي برر فيه ترامب أنه سينحاز إلى ضرورة عودة الحياة الاقتصادية، والذي كان عقب ظهور مؤشرات على انهيار سوق الأسهم الأميركي، والحديث عن خسارة أكثر من 5 ملايين وظيفة مع تراجع الناتج المحلي الاجمالي بمقدار تريليون ونصف تريليون دولار، ولو انها أبدَت اعتقادها باستعادة بعض الوظائف ولكن ليس قبل نهاية العام، كان مدعوما بقناعته الصريحة، عند تأكيده على ضرورة عودة الحياة الاقتصادية، مضيفا أن “معالجة الأزمة لا يجب أن تكون بشكل يضر الشعب الأميركي أكثر من الأزمة نفسها”، وتحذيره المتكرر من أن الركود الاقتصادي سيتسبب في وفيات مواطنين تفوق وفيات فيروس كورونا.

 

هذا في الوقت الذي أعلن حاكم مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو أنّ تفشّي الفيروس في عاصمة العالم للمال سيزداد سوءاً خلال الشهرين المقبلين، كما أعربَ عن اعتقاده بأنّ الرئيس الاميركي لا يفعل ما يكفي للتخفيف من أضرار الوباء.

 

ترامب مازال متأكدا أن معارضيه الذين يرون أن الصحة أولى هم منافسوه السياسيين، وغير آبه بنداءات الشعب الذي يصرخ في وجهه من أجل حمايتهم من الموت، في هشتاغ “لن نموت من أجل وول ستريت..”.

 

هذا في الوقت الذي تعتمد فيه كل دول العالم، بما فيها دول العالم الثالث، خيار الحجر الصحي، من أجل صحة الجميع، وأمام إجماع أن الاقتصاد يمكن أن يستعيد عافيته، بعد كساد، وأن الاقتصاد والمال من أجل الإنسان، ولس العكس.

 

تعنت ترامب وتركيزه أكثر على الخوف من التفوق الصيني يضعف رصيده السياسي، يفضح بشكل ضمني هشاشة اقتصاد دولة تدعي التفوق الاقتصادي في امتحان أبان عن استعداد ترامب للتخلي عن الانسان لصالح المال.

 

فيبدو أن الخطيب في محاضرات الحرية المالية، يستوعب مطلب الرفاه الاقتصادي للمواطن الأمريكي، و لم يستوعب مطلب حياة المواطن الأمريكي، وأمام التقدير السيء لما سيكبده تفشي الوباء في أمريكا من خسائر اقتصادية، وماسيخسره في السوق البشرية، لن ترقعه التقديرات لصعود الأسهم الأمريكية.

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع