كورونا تبدد الأفق وتغدر العقل وتوحد حلم العالم في مطلب الحياة

الأولى كتب في 29 مارس، 2020 - 20:45 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

بقلم: كبيرة بنجبور

 

عطسة أو كحة مصحوبة برذاذ متطاير كانت كفيلة بتغيير معالم العالم في رمشة عين، فكان النصف من شهر دجنبر موعدا انقلبت فيه موازين القوى حيث انبطح الكل وجلس القرفصاء وتربع العلم على قائمة الاهتمام، ليعلن فيروس كورونا المستجد وباء اكتسح العالم لزئبقية ومرونة حركته الصعبة الضبط والسيطرة.

 

استهتار واستهوان ولا مبالاة طفت على مشاهد الأيام الأولى من تفشي الوباء وحُمِل الأخير على محمل الهزل، فغردت الأفواه بالتنكيت وطبلت على إيقاع القدر الملفوف بالأجل و”المكتاب” مع استبعاد للأخذ بالأسباب، حتى حل الضيف الثقيل بالوطن وقوبل ذلك بعدم التصديق بل بالتهليل والتبريك والتطويق لمؤسسة تاه فيها الفريق وظل الطريق وتسلل الرعب والخوف إلى عمق البدن.

 

ضُربت النواقيس منذرة بخطر قاتل يردعه الانضباط والاصطفاف لقرارات البلد فمهما اختلفت ومهما حملت وتحاملت ومهما انتقدت في الأجهزة والمؤسسات بات المطلوب اليوم الامتثال وفقط ولزوم البيت…معادلة سهلة ممتنعة هي، ففكرة تقييد حريتك لمدة كي تكون حرا مدى الحياة صعبة عند البعض، ومتقبلة عند البعض الآخر الذي أحس بالمسؤولية وبادر إلى التجييش عبر الفضاء الأزرق لرفع الهمم وتثبيت الأقدام على الصمود رغم تسجيل إصابات كل يوم، فكانت السادسة مساء موعد مع الرصد موعد يحبس الأنفاس، وتُبتلع فيه الكلمات وتُشدق فيه الآذان لتسمع عن تسجيل إصابات ووفيات ويتأزم الأمر لدرجة تترقب فيها أن تدرج كرقم ضمن القائمة المسائية وأن تكون في أحسن أحوالك كحالة مستبعدة.

 

مؤلم جدا أن تكون سببا في أذية أقرب الناس إليك أن تضرب سُنن الحجر الصحي بعرض الحائط، وأن تنطلق في العيش دون اكتراث وتصطحب معك سلاحا تقتل به والديك أو أبناءك، وتبقى أنت بعدهم معلقا بين الأرض والسماء ترجو الفكاك والرحيل على أن تعيش بذنب القاتل بغير العمد لا لشيء فقط لاستسلامك للحظة طيش تسدد عنها الضريبة ما تبقى من حياتك.

 

سواد قاتم يتخلله بياض يد الخير الممدودة بالعطاء، رجال مجندون مرابطون بالشوارع وآخرون معتكفون يقتحمون مجال الخطر لإنقاذ الأرواح ويصرخون بدمع حارق نحن مستعدون للموت من أجلكم، سنخرج للعمل مقابل أن تجلسوا في منازلكم، صرخات القياد وراء الميكروفونات المطالبة بالمكوث بالبيوت وخطابة ألسنة تحدثت بلغة الأمهات والأجداد، لغة عامة الشعب العميقة الضاربة في صلب الدلالة والمعجم المتداول البعيد عن اللغة البيضاء والكلمات الصادقة المنبعثة من صدور أحست بالخطر، ألسنة نطقت فأصابت وأبلغت.

 

عيون تبكي وقلوب تدمي وأطباء تاركين منازلهم وأبناءهم خدمة للوطن، صعب أن تعلن كحالة مشتبه في إصابتها بالمرض وتوضع تحت الحجر الصحي، صعب أن تعلم أن مدة بقاءك مرهونة بـ14 يوم وتعد الدقائق بالسنوات، صعب جدا أن تتأكد إصابتك وتحاول أن تستمر وصعب أشد الصعاب أن تخونك مناعتك وقوتك وتعلن الاستلام.

 

مشهد الشباب المتطوع الذي يطرق أبواب منازل “طالبين معاشهم” يثلج الصدور ويخفف من هول الحدث، يتفقدون أحوا أناس اعتادوا تدبير اليوم باليوم فكم حلت عليهم من أيام لم تدبر ولم يموتوا جوعا لغنى قلب بعضهم ولقناعة قلوب البعض الآخر، وتبقى نقطة ضعفهم عيون أطفال مطلة على قفف الجيران الممتلئة عن الآخر في جشع معدود لا يُعتد به كقاعدة بعد أن تهافت البعض على الاحتكار وتَشرَّب من الأنانية الممزوجة بالخوف من الموت جوعا في تماهي ما تلهف عليه العالم وليسجل كطبع إنساني لا ينفرد به المغرب فقط.

 

كورونا باتت حديث كل دقيقة وثانية بعدما تربع الفيروس تربع على المشهد، فالكل متوقف الدراسة والعمل والسفر والأحكام والحياة الكل موضوع على خاصية “أون اطوند” والأفق مضبب والأمل مرهون بنتائج أسبوعين عن إعلان حظر التجول، فحتى أحلامنا الوردية باتت خضراء كروية الشكل تتخللها تيجان مصحوبة بصوت محمد اليوبي المعلن عن إصابات وفيات وخاتما ببشرى شفاء حالات يعلق عليهم الأمل، صعب أن يخطف الموت أناس من جانبك وأنت في دهشة بين التصدقيق والصدمة.

 

المصاب عالمي والعولمة القاتلة المتسللة ببعدها السلبي للمورث والعرف المحلي نخرت فيه اليوم إلى العمق وبات المطلوب والأنجع لزوم البيت فالرصيد البنكي ليس ملجأ والهروب من البلد ليس منجى والتحليق بالفضاء ليس مفر، الوحدة والانضباط مخرج لانطلاقة جديدة وبداية من الصفر إن هزمنا كورونا وتخطيناها لما بعد.

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع