قصة زعيم حركة طالبان الذي عاش آخر أيامه قرب قاعدة أمريكية

الأولى كتب في 12 مارس، 2019 - 18:20 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

عبّر-متابعة

 

تفاصيل جديدة كشفها كتاب يروي السيرة الذاتية لقائد حركة طالبان الراحل الملا محمد عمر، الذي وضعت الولايات المتحدة الأمريكية 10 ملايين دولار لمن يكشف معلومة عنه على الرغم من أن الرجل كان يعيش على بعد أمتار من قاعدة عسكرية للبنتاغون في أفغانستان.

 

وبحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية فإن الملا عمر عاش لأعوام في مكان على بعد مسافة يمكن الوصول إليه سيراً من القواعد الأمريكية، حتى أن القوات الأمريكية بحثت عنه ذات مرة في المنزل الذي كان مختبئاً فيه، لكنهم فشلوا في العثور على غرفة سرية بُنيت من أجله.

 

وتكشف الرواية عن فشلٍ محرجٍ للاستخبارات الأمريكية، التي حددت مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار لمن يبلغ عن معلومات تساعد في القبض على الملا عمر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، في الوقت الذي أشار فيه المسؤولون الأمريكيون أكثر من مرة إلى أنه، مثل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، كان مختبئاً في باكستان ومات هناك.

 

الملا عمر فوض نائبه بالصلاحيات
بل إنها تتعارض أيضاً مع رواية طالبان الخاصة بتحركاتهم، وتكشف عن الطريقة التي نقل بها الملا عمر السيطرة الفعلية للحركة إلى نوابه في 2001، بالرغم من اعترافهم به قائداً لهم لبقية حياته، وبعد عامين من موته في 2013، بحسب الكتاب.

 

ففي الوقت الذي كانت البيانات التي تصدر باسمه تخضع للتدقيق في جميع أنحاء العالم، كان زعيم طالبان يعيش حياة النُسِّاك في الواقع، ويرفض زيارات عائلته، ويملأ مفكراته بملحوظات مكتوبة بلغة مبتكرة، وأحياناً يختبئ من الدوريات الأمريكية في أنفاق الري.

 

كان الملا عمر يستمع بانتظام إلى أخبار هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) باللغة البشتوية في المساء، لكنه نادراً ما علق على أخبار العالم الخارجي الواردة، حتى عندما علم بوفاة أسامة بن لادن، الذي أدت هجماته ضد الولايات المتحدة إلى نهاية حكم طالبان.

 

عملت بيتي دام، وهي صحفية وكاتبة هولندية كانت تقدم تقارير صحفية من أفغانستان منذ 2006، على السيرة الذاتية المعنونة بـ Searching for an Enemy (البحث عن عدو)، لأكثر من خمسة أعوام. ونُشرت باللغة الهولندية الشهر الماضي، إضافة إلى نشر مُلخص لبعض النتائج التي خلُصت إليها الكاتبة باللغة الإنجليزية عن طريق مؤسسة Zomia الفكرية التي تأسست حديثاً، والتي شاركت التقرير مع صحيفتي The Guardian وWall Street Journal.

 

نشرت دام قبل ذلك كتاباً يروي صعود الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي حتى وصوله إلى سدة الحكم، وهي مُحاضِرة زائرة في الشأن الأفغاني في جامعة ساينس بو البحثية بباريس، بحسب الصحيفة البريطانية.

 

ولإعداد أبحاثها حول حياة الملا عمر، زارت أجزاء من البلاد تسيطر عليها الحركة المسلحة وأجرت مقابلات مع كل من المسؤولين الحكوميين الأفغان وأيضاً مع بعضٍ من كبار أعضاء حركة طالبان الباقين على قيد الحياة، بمن فيهم الرجل الذي أمده بالمخبأ والحماية والغذاء حتى مماته.

 

كان عبدالجبار عمري حاكم ولاية عندما حكمت طالبان أفغانستان، لكنه تخلى عن أي دور فعال في الحركة ليكون حارساً شخصياً للملا عمر بعد 2001.

 

وقد أُبلغت دام بأنه الرجل الوحيد القادر على تقديم معلومات موثوقة عن السنوات الأخيرة للملا عمر، لكنها لم تستطع تعقبه حتى وضعته السلطات الأفغانية داخل احتجاز وقائي في نهاية العام الماضي. واتفقوا على تسهيل إجراء مقابلة في منزل آمن بالعاصمة الأفغانية كابول، ووافق عمري على الحديث.

 

مأوى عمر بجوار قاعدة أمريكية
جاء عمري من ولاية زابل، ويعود نسبه إلى عائلة هوتاك، وهي العائلة نفسها التي ينتمى إليها زعيم طالبان. إذ إن علاقاته في المنطقة ستكون ضرورية لإخفاء الملا عمر عندما فر عائداً إلى ولاية أجداده بعد تسليم القيادة العملياتية لطالبان إلى نائبه، الملا عبيدالله، خلال تجمع لكبار رموز طالبان داخل قبو في إقليم قندهار، بحسب الصحيفة البريطانية.

 

في السنوات الأربع الأولى للحركة المسلحة، عاش الملا عمر في مدينة قلات، وهي عاصمة ولاية زابل. وكان على بعد مسافة قصيرة يمكن الوصول إليها سيراً من مقر حاكم الولاية الأفغاني، وهي المنطقة التي اختيرت لاحقاً لإيواء القاعدة الأمريكية الرئيسية في المنطقة، وهي قاعدة لغمان الأمريكية للعمليات العسكرية المتقدمة. انتقلت زوجاته إلى باكستان، ورفض عرضاً من عمري بإحضار ابنه لزيارته.

 

وكان مأواه منزل عبدالصمد أستاذ، السائق السابق لعمري، الذي كان لديه آنذاك سيارة أجرة. وكان مجمعاً صغيراً، بفناء وبيت من طين مخفي وراء جدران عالية، وهو نمط تقليدي للبيوت من أجل ضمان الخصوصية في أغلب مناطق أفغانستان.

 

شيّد أستاذ غرفة صغيرة في زاوية المبنى السكني الذي بُني على شكل رقم ستة، وكان بابها مخبأً خلف خزانة عالية مثبتة في الحائط.

 

لم تكن العائلة على دراية بهوية الضيف، فلم يعلموا شيئاً إلا أنه أحد رموز طالبان وأنهم سيُقتلون إذا تحدثوا إلى أي شخص عن الموضوع. أخبر أستاذ صديقه في هذا الوقت قائلاً: «لقد أرهبت زوجتي».

 

على بعد دقائق من القبض عليه
وكانت القوات الأمريكية على وشك العثور على الملا عمر مرتين. في المرة الأولى، مرت دورية بجوار عمر وعمري عندما كانا في الفناء. ونظراً لخوفهما من وقع خطى الأقدام المُقتربة، اختبأ خلف كومة من الحطب، ومر الجنود دون أن يدخلوا.

 

في المرة الثانية، فتشت القوات الأمريكية المنزل لكنها لم تجد الباب الخفي المؤدي إلى الغرفة السرية. ولم يعرف عمري ما إذا كان التفتيش عملاً روتينياً للدورية أم أنه استجابة لبلاغ قُدِّم إليها.

 

بالرغم من أن البيت كان قريباً على الدوام من مواقع حيوية في أفغانستان، قرر عمر التحرك من الموقع عندما بدأت القوات الأمريكية في بناء قاعدة لغمان الأمريكية للعمليات العسكرية المتقدمة عام 2004، وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من مخبئه، بحسب الصحيفة البريطانية.

 

واتجه نحو إحدى القرى الصغيرة النائية، التي تكونت من مجموعة صغيرة من البيوت بجوار نهر كان يجف أحياناً، وعلى بعد حوالي 20 ميلاً جنوب شرق قلات، في شينكاي. وهناك، بنى أستاذ للملا عمر كوخاً صغيراً على حافة النهر، متصلاً بقنوات الري الموجودة تحت الأرض، التي تصل إلى التلال ويمكن أن تقدم طريقاً ممكناً للفرار إذا وصلت القوات الأمريكية أو الأفغانية لتفتيش المنطقة.

 

وبعد مدة وجيزة من انتقاله، بدأت الولايات المتحدة في بناء قاعدة أخرى على بعد ثلاثة أميال. ففي ذروة الحرب، ضمت قاعدة ولفيرين الأمريكية للعمليات العسكرية المتقدمة 100 من القوات القادمة من الولايات المتحدة إضافة إلى بلاد أخرى أعضاء في الأمم المتحدة لتقديم الدعم لها. خشي عمر من الإمساك به مرة أخرى، لكنه لم ينتقل مجدداً.

 

وكان لا يخرج إلا نادراً، فيما عدا خروجه للاستمتاع بشمس الشتاء. وكان يختبئ غالباً في الأنفاق مع تحليق الطائرات الأمريكية فوقه أو مرور القوات. قال عمري للصحفية بيتي: «كان أمراً خطراً جداً بالنسبة إلينا. وأحياناً كانت المسافة التي تفصل بيننا وبين القوات الأجنبية تساوي مساحة منضدة».

 

كان مخبأ عمر خلف منزل تسكنه عائلة كبيرة من مؤيدي طالبان. ولم يعلم هوية الضيف إلا أخان، لكن جميع من في القرية كانوا على علم بأن مسؤولاً بارزاً في حركة طالبان كان مقيماً في القرية».

 

ومع تنامي خيبة الأمل بسبب الفساد المنتشر في دوائر الحكومة الأفغانية والخسائر في الأرواح بين صفوف المدنيين بسبب داعميهم الأمريكيين، بدأ عمر في الحصول على هدايا من الغذاء والملابس من أهل القرية.

 

متي كان يتدخل الملا عمر؟
وكانت تمر عليه أيام يتحدث فيها بالكاد مع أحد، فلم يكن يتواصل إلا مع حارسه وطباخه عندما يتوضأون سوياً في المطبخ قبل الصلوات، حسبما أوضح عمري. وكان لدى الملا عمر هاتف نوكيا قديم، بدون شريحة كان يستخدمه ليسجل صوته وهو يتلو آيات من القرآن، بحسب الصحيفة البريطانية.

 

وكان هناك تواصل نادر بينه وبين الدائرة الأكبر من أعضاء الحركة من خلال مبعوث موثوق رفض عمري ذكر اسمه، لكنه ذكر أنه كان يسافر كل بضعة أشهر بين مقر القيادة في كويتة ومخبأ عمر.

 

في بداية الأمر كان المبعوث يحمل تسجيلات صوتية لرسائل من عمر، ولكن بعد استيقافه واستجوابه على يد الاستخبارات الباكستانية، عاد عمر إلى إخبار الرجل بالرسائل التي أراد أن ينقلها إلى القيادة.

 

وبالرغم من إصدار البيانات باسمه مع كل عيد، لم يكن للملا عمر دور فعال في حركة طالبان بعد تفويض السلطة في 2001. بل بدا أقرب إلى تأدية دور القائد الروحي، فلم تكن مشورته تُطلب إلا نادراً عند حدوث انقسام بين أعضاء الحركة.

 

ولعل أبرز المشورات التي طُلبت منه كانت عند سؤاله عن خطط فتح مكتب للحركة في الدوحة يمكن أن يسمح لطالبان بمحاولة الدخول في محادثات سلام مع الولايات المتحدة والمفاوضين الآخرين، وأبدى مباركته للمشروع.

 

وكان هناك محاولة أخرى مسجلة للتدخل، وهو نداء أرسله في عام 2007 إلى قادة طالبان في ولاية هلمند للإفراج عن رجلين اُتهما بقتل أخيه. ولم يتضح ما إذا كانت الرسالة وصلت إلى القائد في هملند ثم عصاها، أم أنها وصلت متأخرة، أم فُقدت في الطريق. لكن الرجلين قُطع رأساهما في النهاية.

 

وتوفي الملا عمر عام 2013 بسبب المرض الشديد، وعانى من السعال والقيء وأخيراً فقدان الشهية، لكنه رفض أي نوع من الرعاية الطبية. عرض عمري عليه جلب طبيب أو نقله بالسيارة إلى باكستان، لكن الملا عمر بدا مستسلماً لقدره وتوفي في 23 أبريل.

 

دفن عمري القائد الأفغاني في تلك الليلة، وسجل فيديو ليُعلم يعقوب ابن الملا عمر وأخاه غير الشقيق عبدالمنان. لم ير أي منهما عمر منذ 2001، لكنهما سافرا إلى مخبئه بعد أيام وأصرَّا على فتح القبر للتأكد من أنه هو.

 

تأكد الرجلان من أن جثة الملا عمر دُفنت في قبر بسيط بناحية نائية من ولاية زابل، لكنهما لم يعترفا قبل عامين من ذاك التاريخ أمام مقاتليهم وباقي العالم، بأن هذا القائد الغريب الزاهد، الذي عرَّف حركتهم من قبل وعُرفت به، قد قضى نحبه.

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع