ربورتاج : حينما تتحول هواية “الغطس” إلى حرفة تدر رزقا بسواحل المتوسط

الأولى كتب في 17 يونيو، 2019 - 20:45 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

فؤاد جوهر ـ عبّــر

 

هي رحلة من الرحلات الشاقة لطلب الرزق حيث يغوص الشباب بسواحل الريف بحثا عن رزق قد يأتي أولا يأتي، ومعرضين أنفسهم للإعياء الشديد واﻹرهاق في ظلمات البحر المتوسط، والذي صار في العقود الأخيرة مقبرة للعديد من المهاجرين السريين، وتنبعث منه رائحة الموت أكثر من أي شيء آخر.

 

 

ومع تردي الأوضاع المادية واﻹقتصادية في منطقة أركمان، ورأس الماء، بسواحل المتوسط نتيجة اغلاق الحدود، والذي سبب ركودا تجاريا غير مسبوق، يختار الكثير من شباب المنطقة، السباحة والغوص في أعماق البحر المتوسط، لمسافات قد تزيد عن 10 أمتار، أو حتى أكثر بكثير من ذلك في مياه باردة، لعلها تجود عليهم بأسماك يبتعونها للوسطاء التجاريين.

 

 

 

ويحتاج الغوص داخل البحر إلى شجاعة وقوة مصحوبة بمهارة تقنية، لكون هذا الصنف من الغوص يتم عن طريق كتم النفس، وبدون قارورة أوكسجين لدقائق معدودة، ومن خلال مسدس عبارة عن قاذف سهم حديدي اتجاه الأسماك التي تعيش في الأعماق، ورغم صعوبة المهمة، يفضلها الكثير من أهل المنطقة، خصوصا وأنها تدر عليهم رزقا يحفظ لهم كرامتهم، ويقيهم شر الفقر.

 

“الروبيو” ومعناه الأشقر، وهو من ساكنة قرية أركمان الساحلية المتوسطية، والذي اعتاد الغوص في مياه البحر لمدة تزيد عن 12 سنة، يكشف لجريدة “عبّـر.كوم”، أن البداية كانت هواية، وصارت مع توالي الأيام، مهنة رئيسية أنقذته من براثين الفقر والحاجة، حيث يجود عليه بحر قرية أركمان، بأرفع أنواع الأسماك ومنها بالخصوص سمك “الشاغر”، “البوري “، “دورادا”، و”حرقس”، يبتاعه للوسطاء الذين يقومون بتسويقه إلى المطاعم الكبيرة في الناظور.

 

 

غطسات تلو غطسات، وتقريبا كلما كان الجو مساعدا والبحر هادئا، نستجمع قوانا يقول “الروبيو”، ويحتاج الأمر الى القوة والشجاعة، وإمكانيات لحبس النفس مع لوازم الغطس التي تكلفنا كثيرا، غير أن ذلك يروق لي كثيرا خصوصا عندما يجود علينا البحر بخيراته التي لا تنقطع، مضيفا ” كل نهار ورزقو”، ولا نخيب أبدا في المتوسط.

 

 

 

ويحكي “محمد غنوي” وهو ابن القرية لجريدة “عبّـر.كوم”، أن الغطس أحب هواية له، خصوصا وأنه يمثل المتنفس الوحيد له، لكسر روتين العمل اليومي، بإعتباره يدير مشروعا تجاريا لكراء السيارات بقرية أركمان، ويروي لنا أنه يقصد “جرف الروم”، أو سواحل جماعة “البركانيين”، للغطس الحر لأزيد من 10 أمتار، يكتشف من خلاله ملكوت الله في البحر المتوسط، وبعد الرؤية الواضحة والرصد الجيد، يغرز مسدسه في الأسماك الكبيرة، تكون بمثابة غذاء شهي له ولعائلته، ولضيوفه الأعزاء.

 

ويسترسل بحرقة شديدة، أن ما يعيق هوايته المفضلة، والتي تتطلب جهدا بدنيا، وحبسا للنفس أثناء الغطس، وبلوازم باهضة الثمن، تشمل نظارات زجاجية، بذلة خاصة، مسدس بحري، وغالطات” ومعناها النعال الخاصة بالغطس، أغلب الشباب إما يعير هذه اللوازم، أو يشتريها قرضا – ما يعيق- وهو عدم منحهم الرخص الخاصة بالغوص الحر بمنطقة الناظور ككل، عكس بعض المدن الساحلية الأخرى كطنجة مثلا، كما ينقصنا يضيف “محمد غنوي” النوادي البحرية الخاصة لتدريب المبتدئين في الغوص الحر بمنطقة سواحل كبدانة.

 

 

 

 

 

عرجنا هذه المرة إلى واحدة من أجمل المدن الساحلية بالناظور، والتي هباها الله جمالا لا يضاهى، إنها أيقونة رأس الماء بأبراجها العالية التي تجذب هواة القفز من كل مكان، ومنطقة “ليروشي” بالخصوص لا تكاد تفرغ من الزوار لبهائها المطلق، تصادفنا مع هواة كثيرين للغطس الحر، والتي تحولت هوايتهم إلى مهنة تدر رزقا محترما، بفضل سخاء المتوسط عليهم بأسماك قد يصل ثمن الكيلوغرام الواحد أحيانا الى 120 درهما.

 

يروي لنا “خالد” وهو غطاس ماهر من أبناء المنطقة، أنه مع توالي سنوات الجفاف، وكذا اغلاق الحدود مع الجارة الشرقية، لم يتبقى لهم في رأس الماء سوى الغطس إلى الأعماق، بأمل أن يجود عليهم البحر المتوسط بأسماك يبتاعونها لتجار الجملة، غير أن ذلك يضيف “خالد” يقتضي كثيرا من اللياقة البدنية، وطول النفس، ولا سيما الصبر والدهاء، مشيرا في ذات الوقت، أنه في بعض الغطسات يصطاد أنواعا من الأسماك التي يصل وزنها الى 10 كيلوغرمات أو يفوق، و هو ما يعطيهم شحنات إضافية للاقتناع بالغطس كمهنة رئيسية، تقيهم من شرور الفقر والحاجة، خصوصا مع تردي الأوضاع اﻹقتصادية.

 

 

 

وبحيوية منقطعة النظير، ومرفوقا بعتاده البحري، يسرد لنا “خالد” عن مغامراته مع الغطس، وكم يكون سعيدا حينما يكون على أهبة اﻹستعداد للغطس في الأعماق، فهو يرى أن البحر خصوصا في أعماقه، يملك سرا ملكوتيا ربانيا، ومكانا نقيا بعيدا عن روتين اليابسة، تحول مع مرور الزمن، ومع الركود اﻹقتصادي الذي تشهده المنطقة، وقلة فرص الشغل، الى مهنة ومصدرا للرزق عند الكثيرين من الشباب المكافح من أجل لقمة العيش.

 

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع