تورية عمر- عبّر
مراكش هي تلك المدينة المتجدرة في عمق التاريخ المغربي، هي عاصمة السياحة المغربية بامتياز ، تتميز بشهرتها التي تجاوزت الحدود المغربية لتصل إلى العالم، فبمجرد قول كلمة المغرب حتى يتبادر في ذهن السائح الأجنبي اسم مراكش التي أصبحت قطبا هاما ليس فقط على مستوى السياحة وإنما على مستوى مختلف المجالات الأخرى.
فمدينة مراكش لم تعد تلك القبلة التي يتوجه إليها الزوار فقط لقضاء عطلهم والاستمتاع بها، وإنما أصبحت معروفة بديناميتها على كافة الأصعدة مع توالي السنين، إذ أنها أصبحت تعزز وتدعم مكانتها البارزة سواء على المستوى الوطني أو الدولي كفضاء واسع لتبادل مختلف الأفكار والتجارب، كما أنها أصبحت تلك الأرضية التي تحتضن مختلف اللقاءات التي يتم فيها مناقشة قضايا إستراتيجية مهمة وطنية ودولية.
مراكش قبلة لاحتضان مختلف التظاهرات الوطنية والدولية
لقد أصبحت هذه المدينة التي ذاع صيتها في كل بقاع العالم قبلة لاحتضان مجموعة من التظاهرات الإقليمية والدولية الهامة جدا التي تلامس كافة المجالات، خاصة فيما يتعلق بالميدان الاقتصادي حيث تحولت إلى فضاء متميز للتفكير وتقاسم مختلف التجارب والخبرات المتنوعة حول عدة مواضيع يهتم بها المجتمع الاقتصادي سواء على المستوى الوطني أو الدولي أو القاري، كما أن المدينة الحمراء عاشت على إيقاعات مجموعة من الأحداث المتنوعة والأنشطة المختلفة التي شهدتها خلال سنة 2019 والتي ارتأينا تقديمها وحصدها في هذا المقال ، خاصة ونحن على مشارف توديع هذه السنة التي كانت حافلة بمجموعة من الأحداث الجيدة والسيئة، واستقبال سنة جديدة 2020 خلال أيام معدودة وعيشها بحلوها ومرة أيضا .
مراكش العاصمة السياحية التي لا تنام
ربما تعد مراكش كغيرها من المدن المغربية بكونها تشهد مجموعة من الأحداث المختلفة والمتنوعة، إلا أن المدينة الحمراء قد تكون مميزة في بعض الأمور عن غيرها من المدن، فهي تشهد حركة دؤوبة طيلة العام فلا تهدأ ولا تكن عن تنظيم مختلف المؤتمرات والتظاهرات والأنشطة المتعددة والمتنوعة التي جعلت الكل يصفها بالمدينة التي لا تنام طيلة 24 ساعة في اليوم، فقد شهدت المدينة منذ بداية عام 2019 تنظيم مجموعة من المؤتمرات المهمة، ومنها انعقاد أشغال الدورة الثانية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة والذي شهد مشاركة ما يقارب 800 شخص يمثلون أكثر من 70 بلدان من بينهم 40 وزيرا للعدل وعدد مهم جدا من كبار المسؤولين بالمجالس العليا للقضاء، إضافة إلى الوكلاء العامين وفاعلين بارزين بمختلف المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية المختصة، وهو المؤتمر الذي تم تنظيمه تحت الرعاية السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس .
وفيما يتعلق بالمجال الفلاحي فقد تميزت المدينة باحتضان أشغال المؤتمر الأول للاتحاد الأوروبي- شمال إفريقيا حول الفلاحة البيولوجية ، وهو الحدث الهام الذي دعا من خلاله المشاركون إلى تعزيز البحث العلمي فيما يتعلق بمجال الفلاحة البيولوجية وأيضا الدعوة إلى الانفتاح الواسع على عالم التكنولوجيات الحديثة والعصرية .
الإقبال على مدينة مراكش لتنظيم مؤتمرات ذات صيت عالمي
واحتضنت المدينة الحمراء أيضا على مدى يومين فعاليات الدورة الثانية للمؤتمر العربي الإفريقي لسيدات الأعمال، وهو من بين الأحداث الضخمة والمهمة التي عاشت على إيقاعات مراكش، حيث عرف مشاركة نخبة من الوزراء والشخصيات البارزة في المجتمع الإفريقي إضافة إلى مشاركة أكثر من 30 خبيرا الذين جاؤوا من 12 بلدا إفريقيا والشرق الأوسط وذلك لمناقشة الرهانات والتحديات التي من الواجب رفعها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأيضا من خلال دعم كافة النساء المقاولات في المجتمع الإفريقي والعربي.
كما أن مراكش كانت على موعد خلال 2019 مع الدورة 26 من فعاليات مؤتمر الاتحاد الأفرو-آسيوي للتأمين وإعادة التأمن ، والذي عرف مشاركة أزيد من 900 شخص من المسؤولين والفاعلين في هذا المجال، وهو الحدث الهام الذي نظم تحت الرعاية السامية لصحاب الجلالة الملك محمد السادس، والذي كان عبارة عن فضاء مناسب جدا لتحديد كافة السبل والبحث عن الحلول الملائمة لمنح قطاع التأمين وإعادة التأمين فرصة للاضطلاع بدوره كاملا لا سيما في مجال التأمين .
هذا واحتضنت المدينة الحمراء كذلك أشغال المؤتمر الرابع لاتحاد الهيئات العربية للإشراف والرقابة الذي تم تنظيمه من قبل هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وبتعاون مع اتحاد الهيئات العربية للإشراف والرقابة على أعمال التأمين، وهو الحدث الذي جمع نخبة مهمة من المقننين والفاعلين في هذا القطاع بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث ناقشوا مجموعة من القضايا الهامة التي ترتبط بتنظيم وتطوير أسواق التأمين بالمنطقة كافة .
تظاهرات وفعاليات بمراكش تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس
كما تم تنظيم فعاليات الدورة الثانية من قمة الاتحاد الأوروبي- إفريقيا للأعمال التي كانت مراكش على موعد معها أيضا خلال سنة 2019 والتي تعتبر من بين الأحداث الهامة حيث جمعت أزيد من 300 من الخبراء المرموقين لمناقشة مجموعة من فرص الاستثمار وإقامة شراكات مستدامة تجمع بين أوروبا وإفريقيا، هذا بالإضافة إلى أشغال الدورة 44 للاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية التي احتضنت فعالياتها مراكش تحت الرعاية السامية لصحاب الجلالة الملك محمد السادس، حيث وجه جلالته رسالة سامية إلى المشاركين في هذه التظاهرة والتي كانت بمثابة دعوة إلى تحرك جماعي من أجل تعزيز أسس التضامن بين الدول الإسلامية وتفعيل الانتقال إلى نموذج اقتصادي كفيل بتحقيق التنمية على كافة المستويات .
كما أن عاصمة النخيل احتضنت أشغال الدورة 52 من مؤتمر وزراء المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية الأفارقة التابع للجنة الاقتصادية لإفريقيا، وهو الحدث الذي هم تدارس السياسات المالية الضرورية لتنفيذ مشروع منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية وذلك في إطار خطة الأمم المتحدة 2030 وخطة الاتحاد الإفريقي لعام 2063 وكذا الدور المحوري للقطاع الخاص في ظل عصر الاقتصاد الرقمي.
كما وتميزت سنة 2019 بالمدينة الحمراء بوجود المسألة الأمنية في قلب الأحداث التي شهدتها ، حيث انتقلت المدينة لتتموقع على الصعيد القاري والدولي بقوة على الساحة الأمنية العالمية، حيث احتضنت أكبر التظاهرات العالمية التي كانت قضايا الإرهاب والجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود والتعاون الأمني والقضايا الجيوسياسية والإستراتيجية من أكثر المواضيع التي تمت مناقشتها فيها، وهي من التظاهرات الهامة التي عرفت حضورا هاما لكبار المسؤولين والخبراء في هذه المجالات الذين حطوا الرحال بالمدينة الحمراء من كل بقاع العالم ، حتى تتوحد الجهود وإرساء مزيدا من التعاون لتحقيق السلم والأمن والأمان .
تظاهرات أمنية دولية في قلب العاصمة السياحية مراكش
كما أن مراكش احتضنت حدثا لا يقل أهمية عما سبق ذكره، ويتعلق الأمر بالاجتماع الرابع لرؤساء الشرطة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذا جزر القمر وجيبوتي والسودان والصومال وموريتانيا، والذي اعتبر فرصة أتاحت تقديم دعم ملموس للجهود التي تسعى إلى تحقيق تطوير تعاون أمني جماعي ناجع وفعال إضافة إلى تبادل الخبرات والتجارب والمعلومات بين مختلف الدول المشاركة ، كما استضافت المدينة أيضا المؤتمر الدولي الثالث للهيئات الرقابية للسلامة النووية الذي حضره ما يزيد عن 350 من الخبراء والمسؤولين الذين كانوا يمثلون مائة بلد من بينها 35 بلدا إفريقيا .
وعلى صعيد آخر عاشت المدينة الحمراء خلال سنة 2019 على إيقاعات أشغال المؤتمر العربي السابع عشر لرؤساء أجهزة الحماية المدنية والذي كان هدفه التركيز على أخطار تلوث البيئة ودراسة السبل الناجعة لمكافحة هذا التلوث .
تظاهرات ثقافية وفنية وطنية ودولية وأنشطة ملكية بالمدينة الحمراء
لم تكتفي المدينة الحمراء باحتضان هذا النوع من المؤتمرات فقط، بل كانت على مجموعة من المواعيد المتنوعة والمختلفة بين الثقافي والسينمائي والفني حيث احتضنت ككل سنة فعاليات المهرجان الدولي للفيلم في دورته 18 والذي تم تخصيص دورة هذه السنة لتكريم السينما الاسترالية، وخلال 10 أيام عاشت المدينة على إيقاعات الفن السابع ولبست حلتها الجديدة التي أضحت مألوفة لدى المراكشيين وزوار المدينة الذين يحجون إليها من كل المدن المغربية لعيش لحظات مميزة رفقة مجموعة من الأعمال السينمائية المعروضة سواء بالشاشات العملاقة التي يتم تثبيتها في كل ساحات المدينة أو من خلال مشاهدة مجموعة من الأفلام السينمائية بقاعات العروض السينمائية التي تكون بانتظارهم .
على نحو آخر لم تشهد المدينة فقط تنظيم مجموعة من التظاهرات الوطنية والدولية والجهوية فقط، وإنما عاشت أيضا مجموعة من الأنشطة الملكية التي تنوعت واختلفت وتميزت بين تدشين مجموعة من المشاريع الجديدة والحديثة التي سيتم إنشاءها على صعيد جهة مراكش أسفي، وكذا إعطاء جلالته الانطلاقة لمجموعة من المشاريع التنموية التي رأت النور في الجهة، فضلا عن تحسين مجموعة من الوضعيات بالمدينة وتجديد مجموعة من الأحياء العتيقة بما فيها حي الملاح الذي لبس حلته الجديدة والراقية التي تليق بمكانة حي عتيق تاريخي كهذا.
وغير بعيد عن مراكش، احتضنت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، بمدينة بنجرير المؤتمر الوزاري السنوي الثاني لمبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغير المناخي (تريبل أ) وقد جمع هذا الموعد الدولي ما يصل إلى 28 وفدا أجنبيا، من بينهم 20 وزيرا إفريقيا وممثلون عن الحكومات الإفريقية ومؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ، والبنك الإفريقي للتنمية، والجهات المانحة، وكذا عدد من الباحثين الدوليين، والذي شجع فيه وزراء الفلاحة وممثلو المنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات التمويل في الإعلان الختامي، مؤسسة تكييف الفلاحة الإفريقية مع تغير المناخ على مواصلة وتوسيع مواكبتها للبلدان لصياغة مخططات استثمار وطنية في الفلاحة الذكية والمتكيفة مع التقلبات المناخية.
أحداث وجرائم وحوادث متنوعة شهدتها مراكش في 2019
لم تتميز المدينة الحمراء فقط بمجموعة من الأحداث الجيدة، بل كانت هناك عدد من الأحداث السيئة والمحزنة التي تتنوع بين تسجيل نسبة كبيرة من انتحار الأفراد على صعيد جهة مراكش أسفي، والتي لم تكن تعني فئة عمرية شبابية فقط بل كانت تتنوع بين المسنين وشباب في مقتبل العمر وآباء وأمهات في الأربعينات من العمر لأسباب تنوعت واختلفت ، هذا بالإضافة إلى تسجيل نسبة مهمة من حوادث السير على مستوى جهة مراكش أسفي خاصة بإقليم الحوز حيث تتسبب الدراجات النارية في تعرض العشرات من الأشخاص لحوادث سير مميتة سواء في المجال الحضري أو القروي.
هذا بالإضافة إلى تسجيل عدد من الاعتقالات المتعددة التي كانت نسبتها كبيرة جدا، حيث تم اعتقال وتوقيف العشرات من الخارجين عن القانون والذين تنوعت التهم المنسوبة إليهم بين السرقة الموصوفة والتهديد بالسلاح الأبيض والاعتداءات وتهم الاختطاف والاغتصاب وترويج المخدرات وجرائم القتل البشعة التي طالت الشباب والكهول وحتى الوالدين والأبناء وجرائم خطيرة عندما تسمعها عنها تكاد لا تصدق أنها تحدث في مراكش التي تعتبر مدينة سياحية بامتياز.
مراكش الحمراء قبلة مفضلة للسياح من مختلف بقاع العالم
على العموم لقد عاشت المدينة الحمراء مجموعة من الأحداث المتنوعة بين الجيد والسيئ كغيرها من المدن المغربية، إلا أنه يمكن القول أن مراكش أضحت بفضل خبرتها الواسعة وتجربتها الكبيرة في تنظيم أحداث وطنية وإقليمية وقارية مهمة، بما فيها الأحداث ذات البعد الاقتصادي، تشكل واحدة من أرقى وجهات سياحة الأعمال وأفضلها في العالم، والتي بمقدورها تعزيز مكانتها المرموقة على الساحة الدولية في ما يتعلق باحتضان الاجتماعات والندوات والمعارض المختلفة، هذا علاوة على كونها وجهة سياحية مفضلة ومكانا للاسترخاء وقضاء العطل بامتياز، كما أنها مراكش التي بات يرتبط اسمها بالطبيعة الخلابة والساحرة، فقد أصبحت تنافس أكبر العواصم العالمية على تنظيم أبرز الأحداث على الساحة الدولية في جميع المجالات، كما أن بفضل خصائصها المتنوعة أصبحت تدخل ضمن قائمات التصنيفات العالمية التي تجعلها تحتل المراتب المتقدمة دائما.
اترك هنا تعليقك على الموضوع