جون أفريك: هكذا نجح محمد السادس على مدى 20 سنة من الحكم

الأولى كتب في 25 ديسمبر، 2018 - 17:30 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

كبيرة بنجبور-عبّر

 

اختارت صحيفة جون أفريك ونحن على هامش ختام سنة 2018 أن تتطرق لعيد العرش لسنة 2019، والتي سيخلد فيها المغرب الذكرى الـ20 لاعتلاء الملك محمد السادس على عرش أسلافه، وأفردت الصحيفة تقريرا مطولا عن مدة حكم الملك وعن سياسته وعن علاقته بشعبه، وكيف تدارك الأزمات وأنقذ البلد من موجات غضب، وأخرجها من بوثقة الاحتقان، وأشار التقرير الذي حرر مدير تحرير الصحيفة فرانسوا سودان إلى تعمد بعض وسائل الإعلام الغربية على مواصلة ارتكاب الأخطاء وتضليل الرأي العام وصياغة سيناريوهات وأطروحات تنبئية بالفشل، في الوقت الذي يواصل فيه الملك في تحقيق النجاح والأخذ بزمام الأمور وتدبير شؤون بلاده تزيد من توطيد العلاقة بينه وبين شعبه.

 

وكشف فرانسوا عن عجز السياسي الجمهوري الأوروبي عن فهم مرونة حاكم يتميز بشعبيته وقدرته على توحيد صفوف شعبه، ونجاحه في ضمان التوازن في الصحراء الكبرى وإضفاء الطابع المغربي عليها. ولا يستطيع هذا الأوروبي استيعاب قدرة ملك المغرب على التحكم في صراعات النفوذ، وعدم اهتمامه بالتفاهات وتجسيده لنظام ملكي تنفيذي بصدد التحول من ديمقراطية شكلية إلى ديمقراطية حقيقية، ويري الكاتب أنه إذا لم يطالب أي شخص، حتى خلال الفترات التي توسّعت فيها رقعة الاحتجاجات الاجتماعية طيلة السنوات العشرين الماضية، بسقوط النظام، فإن ذلك يعود إلى الحب الذي يكنه الشعب لمحمد السادس. ولطالما خشي المغاربة والده الحسن الثاني طيلة سنوات حكمه.

 

وأوضح سودان الاختبارات التي خاضها الملك تعددت على غرار الهجمات الإرهابية، وحركة 20 فبراير، وحراك الريف، وفي مواجهته لمثل هذه الأحداث قطع محمد السادس مع سياسة والده، وأحسن التصرف في الوقت المناسب خلال عقدين، وفي أعقاب الربيع العربي، ظهر غضب جماعي في الشارع المغربي، الذي كانت له مطالب عديدة، قادت أطراف متحضرة ونخبوية هذه التحركات، وأشار فرونسوا إلى تعامل الأجهزة الأمنية بحذر ومهنية مع حراك الحسيمة، الذي كان في أغلب الأحيان تعبيراً عنيفاً عن المشاكل الاجتماعية والوجودية التي تُعاني منها هذه المنطقة المهمشة، خلافاً لما حدث خلال «سنوات الرصاص». وقد تفاعل الملك بطريقةٍ فورية مع هذا الملف عبر تحفيز المشاريع الاقتصادية وخلق مواطن الشغل، وتطرق الكاتب إلى كفاءة وفعالية الأجهزة الأمنية التي تطورت بشكل كبير منذ 15 عاماً، في المقام الأول، تزامنت عمليات تفكيك الشبكات الإرهابية مع تقبل نتائج الانتخابات التي جعلت حزب العدالة والتنمية “الإسلامي” يترأس التشكيلة الحكومية، كما خضع ملك الدولة التي تنتهج الإسلام المالكي المعروف بقيمه “المعتدلة” لقواعد الديمقراطية التي ضمنت بدورها انتخابات شفافة، وتُعد هذه الديمقراطية أيديولوجياً غريبة عن المملكة، حيث كان من الصعب تصوّر تطبيقها في البلاد قبل عام 1999.

 

وفسر فرانسوا الادعاء بأن المغرب لم يتغير وأن الانتقال بين حكم الحسن الثاني ومحمد السادس لم يكتمل بعد (كما يفعل ذلك بعض المراقبون) بفقدان البصيرة (أو سوء النية)، ومن المؤكد أن السنوات الأولى لحكم محمد السادس تميزت بنوعٍ من “العاطفة العقلانية” لكن أصبح المغرب اليوم واضح الملامح والمبادئ، وحراً ومنفتحاً، أكثر من أي وقتٍ مضى. ويعتقد فرانسوا سودان أنه بفضل حنكة الملك فقد نجح في دفع البلاد نحو الحداثة الاقتصادية، من خلال دعم الطبقة المتوسطة التي تُعزز تماسك النظام الاجتماعي؛ والمجتمعية بعد إصلاح مجلة الأسرة؛ والثقافية من خلال الانفتاح على المشهد الفني والحضري والاعتراف بالدارجة المغربية وإدراج الأمازيغية في المناهج التعليمية.

 

وأشار التقرير إلى أن الملك أرسى حداثة جيوسياسية، من خلال إيلاء أولوية للمنطقة الإفريقية، ما عاد بالنفع على الطرفين. ومع ذلك، لا يزال الطريق نحو إرساء دولةٍ أكثر عدلاً وجاذبية، خاصة بالنسبة لشبابها، طويلاً. على الرغم من أنه لم يكن مجبراً على القيام بذلك، تحمل محمد السادس مسؤوليته في الفشل الجماعي للسياسات التعليمية في المغرب الكبير والعالم العربي، التي تُعتبر أساس جميع المشاكل. وقد اعترف الملك بذلك في خطاب تحليلي لهذه المشكلة ألقاه بتاريخ 20 غشت 2018. كانت هذه الخطوة شجاعةً منه لأنه لا وجود لحلول فورية لمشاكل هذا المجال، ولأن “الإصلاح الحقيقي والدائم” يستغرق بعض الوقت.

 

وتطرق فرانسوا سودان إلى أن ملف التعليم يحظى بشغف الملك، وهو يتابعه بصفة دورية. كما يولي الملك اهتمامه بالمشاريع الكبرى للبنية التحتية، والسياسة الخارجية والأمن والشؤون الدينية على حد السواء. وليس من قبيل الصدفة أن نلاحظ براعة محمد السادس في الإمساك بزمام القضايا المعقدة، على غرار الصندوق الأزرق لحوض الكونغو، أو مؤشرات التنمية البشرية، فضلاً عن دقته في الحديث عن الدَواوير التي أزيلت من المملكة الشاسعة، على شاكلة المختصين في رسم الخرائط.

 

وانعرج الكاتب للحديث في تقريره عن تفضيل الملك محمد السادس الاستمرار في التقاط صور “السيلفي” مع المهاجرين المغاربة في جميع أنحاء العالم، مع الحرص على إضفاء طابعٍ تعليمي وتوجيهي على خطابه، وتتجلى ندرة الظهور الإعلامي للملك في إجرائه 6 مقابلات صحافية فقط، كانت إحداها لصالح صُحف من دولة مدغشقر بمناسبة إحياء ذكرى جده الذي نُفي إلى هذا البلد، وفي عدم مشاركته في أي مؤتمر صحافي طيلة 20 عاماً، ومن الواضح أن الطرف الوحيد الذي أبدى امتعاضه من هذا الأمر هو وسائل الإعلام الأجنبية، أما المغاربة، الذين من الصعب حُكمهم دون كسب قلوبهم، فيشعرون بالامتنان تجاه ملكهم؛ لأنه عمد إلى محاسبة نفسه أولاً قبل ممارسة سلطته على شعبه، وفي إطار هذه العلاقة الفريدة بين العرش والشعب، هناك نوع من الغموض لا يُمكن وصفه، ولنكن متواضعين ونعترف بأننا عاجزون عن فهم حقيقة هذا الغموض.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع