النظام الجزائري… وعقدة المغرب!

عبّر معنا كتب في 30 أغسطس، 2021 - 14:01 تابعوا عبر على Aabbir
النظام
عبّر

خير الله خير الله

النظام
خيرالله خيرالله

مع وجود نظام مثل النظـام الجزائري، يصعب التكهّن أين يمكن أن يتوقّف التصعيد الذي يلجأ إليه هذا النظام وذلك في ضوء خطوة قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع المملكة المغربيّة. حشر النــظام الجزائري خياراته كلّها في التصعيد بسبب أزمته الداخلية العميقة أوّلا وعجزه عن الاستجابة لليد المغربيّة الممدودة ثانيا وأخيرا. من يحشر نفسه في مثل هذا الخيار يكشف مرّة أخرى المعاناة من عقدة المغرب…

في ظلّ مثل هذا الوضع الذي يعكس تخبّطا جزائريا، ثمّة ما يدعو فعلا إلى القلق. في أساس القلق عمق المأزق الداخلي الذي يعاني منه نظام بدّد أمواله على كلّ شيء باستثناء رفاه الشعب الجزائري وهمومه. لا يمتلك هذا النظام حدّا أدنى من الجرأة للاعتراف بأنّه مرفوض من شعبه أوّلا. يرفض النـ ـظام مصارحة نفسه بغية أخذ العلم بأنّ التصعيد مع المغرب لا يمكن أن يأتي له بشرعيّة. لا يريد إدراك أنّ عهد النفط والغاز وأموالهما ولّى منذ خريف العام 1988 عندما حصلت الانتفاضة الأولى للشعب الجزائري في عهد الشاذلي بن جديد. سقطت وقتذاك الشرعيّة عن النـ ـظام الجزائري، نظرا إلى أنّها في الأصل شرعيّة مزيّفة تقوم على استخدام العسكر أموال النفط والغاز لتهدئة الداخل والتدخّل في الخارج.

النظام الجزائري يتآمر… على الجزائر

الأمر الوحيد الذي يمكن أن يأتي بأيّ شرعية للنـ ـظام يتمثّل في إعادة النظر في الأسس التي قام عليها، أي على مجموعة أوهام ولا شيء آخر. هذه أوهام، يفترض بالنـ ـظام الجزائري التخلّص منها عاجلا أم آجلا بدل متابعة سياسة الهرب إلى خارج حدوده ورفع شعارات فضفاضة لا ترجمة لها على أرض الواقع من نوع حقّ تقرير المصير للشعوب.

لو كان النـ ـظام الجزائري يؤمن حقيقة بحقّ تقرير المصير للشعوب، وهو الشعار الذي يبرّر به حرب الاستنزاف التي يشنّها على المغرب، لكان سارع إلى إعطاء حق تقرير المصير للشعب الجزائري نفسه بكلّ مكوناته. كلّ ما في الأمر، أن النـ ـظام الجـ ـزائري حاقد على المغرب كونه استعاد سلما في العام 1975، بواسطة “المسيرة الخضراء”، أقاليمه الصحراويّة التي كانت تحت الاحتلال الإسباني. استخدم النـ ـظام الجزائري، الذي لا يزال يعيش في أيّام الحرب الباردة، أداة اسمها “بوليساريو” في حربه على المغرب واعترف بقيام “الجمهوريّة الصحراويّة” التي بقيت جمهوريّة فضائية لا وجود لها على الأرض.

لعلّ أخطر ما في الأمر أن النـ ـظام الجزائري يؤمن بأنّ في استطاعته اختلاق خطر خارجي يغطّى به الرفض الشعبي له. هذا الرفض الشعبي القديم تجلّى بأبهى صوره في السنتين الماضيتين في مناسبات عدة. في مقدّم هذه المناسبات الانتخابات الرئاسيّة التي أتت أواخر العام 2019 بعبدالمجيد تبّون، خيار العسكر، رئيسا للجمهوريّة. لم يجبر الجزائريون عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس المقعد، على الاستقالة في العام 2019، كي يأتي العسكر ببديل منه يكون مجرّد موظّف لديهم. فقد قاطع معظم الجزائريين، خصوصا في المناطق القبائلية الانتخابات الرئاسية. قاطع الجزائريون بعد ذلك الاستفتاء على الدستور وقاطعوا الانتخابات النيابيّة. لا يريد المواطنون الجزائريون السماع بنظام يظنّ أن في استطاعته التذاكي عليهم كلّ الوقت بغية تبرير تقصيره على كلّ صعيد بدءا برفض المساعدة المغربيّة في إطفاء الحرائق وذلك كي لا يكتشف المواطنون أن المملكة الجارة جهّزت نفسها للحرائق ولديها طائرات خاصة لمكافحتها، فيما ليس لدى الجزائر سوى اتهام المغرب بالوقوف وراء الكارثة.

لم يعد أمام النظـ ـام الجزائري سوى اتهام المغرب بأنّه وراء فشل “الثورة الزراعيّة” أو “الثورة الصناعيّة” أو حملة التعريب، على يد إخوان مسلمين مصريين أو بعثيين سوريين وعراقيين، وهي حملة أنست الجزائريين اللغة الفرنسية ولم تعلّمهم العربيّة!

لم يكن ينقص سوى اتهام المغرب بأنّه وراء انتشار كوفيد – 19 في الجزائر وانكشاف حقيقة هزالة الـ ـنظام الصحّي فيها، خصوصا بعدما اضطر رئيس الجمهوريّة نفسه إلى الذهاب إلى ألمانيا لتلقي علاج فيها.

يشنّ النـ ـظام الـ ـجزائري منذ العام 1975 حرب استنزاف بالوكالة على المغرب عن طريق افتعال قضيّة اسمها قضيّة الصحراء. خسر النـ ـظام هذه الحرب، التي هي باب استرزاق لبعض المجموعات العسكرية في الجزائر، عسكريّا وسياسيّا. لم يدر منذ البداية أنه يجب وقفها، خصوصا أن المغرب مستعد لتفاهمات تضمن للجزائر الوصول إلى المحيط الأطلسي وإنّما من دون تخليه عن سيادته على أقاليمه الصحراويّة. أكثر من ذلك، إن المغرب الذي دعم الجزائريين منذ حرب الاستقلال لم يتردّد يوما في الوقوف إلى جانب الشعب الجزائري وكان أوّل من هب لمساعدته لدى وقوع أحداث 1988 بكلّ ما تضمنّته من خطورة.

عندما يرفض النـ ـظام الجـ ـزائري كلّ العروض المغربيّة، بما في ذلك التفاوض من أجل إعادة فتح الحدود المغلقة منذ 1994 وعندما يتابع التحرش بالمغرب في أقاليمه الصحراوية، على نسق التحرّش الأخير في الكركرات، وعندما يرفض الاعتراف بأن قضية الصحراء، من ألفها إلى يائها، قضيّة مفتعلة، لا يعود مستغربا أن يتابع سياسة الهرب إلى الأمام… أي إلى التصعيد.

تعني سياسة الهرب أوّل ما تعنيه أنّ الصدام هو بين النـ ـظام والشعب الجزائري. يستأهل الجزائريون نظاما أفضل يعرف على الأقلّ ما هو المغرب وما أهمّية التعاطي مع “دولة عريقة” اسمها المغرب بغية الاستفادة من تجربتها ومما قال العاهل المغربي الملك محمّد السادس. قال العاهل المغربي قبل أيّام في الذكرى الـ68 لذكرى ثورة الملك والشعب “المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب. المغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، بخاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم”.

لا يستطيع النظـ ـ ـام الجزائري، المصاب بعقدة المغرب، سوى اختلاق الحجج لنقل أزمته إلى خارج حدوده. لم يحقق المغرب أي نجاح على حساب أحد. لم يأخذ من درب أحد. استطاع المحافظة على وحدته الترابية واستطاع الحصول على اعتراف أميركي بمغربيّة الصحراء. استقبلت الرباط إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” واستقبلت بعد ذلك وزير الخارجيّة الإسرائيلي يائير لابيد. يلعب المغرب من فوق الطاولة وليس من تحتها. إنّه بلد متصالح مع نفسه، مع مواطنيه المسلمين واليهود قبل أيّ شيء آخر. الأكيد أنّ المملكة المغربيّة في غنى عن مزايدات تصدر عن نظام يحتاج إلى التصالح مع شعبه قبل أي شيء آخر…

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع