الميزة التي لم تفارق الملك محمد السادس

عبّر معنا كتب في 3 أغسطس، 2020 - 18:07 تابعوا عبر على Aabbir
النظام
عبّر

خيرالله خيرالله

 

تبقى الاستمرارية والمتابعة لشؤون المواطن المغربي الميزة الأولى للعاهل المغربي الملك محمد السادس. لم تفارق هذه الميزة عهده في يوم من الأيّام. هذا ما أكدّه مجدّدا خطابه الأخير في الذكرى الـ21 لعيد العرش. من بين أهمّ ما تضمنه الخطاب الإصرار على العمل من أجل توفير الحماية الاجتماعية لكلّ المغاربة. مثل هذه الحماية تظلّ أولويّة لبلد يعدّه الملك محمد السادس ليكون بلدا طليعيا وواحة استقرار في منطقة تواجه تحديات كبيرة على صعد مختلفة.

يظلّ المواطن المغربي الهمّ الأوّل للعاهل المغربي محمّد السادس الذي قال في مطلع عهده لدى سؤاله عن القدرة التي امتلكها والده الملك الحسن الثاني، رحمه الله، على تكريس الدور المغربي على الصعيدين العربي والدولي “لئن كان المرحوم وضع اسم بلاده في الخرائط الدولية، فإنّ همّ خليفته أن يرصّع اسم المغرب في قلب كلّ مواطن مغربي.”

خصّص الخطاب لانتشار وباء كوفيد – 19 وكيفية مواجهته وكيفية التعاطي مع النتائج التي ترتبت وستترتب عليه. شرح الملك ما فعله المغرب وما اتخذه من إجراءات وعرض بشكل علمي النواقص والفجوات المطلوب معالجتها. لا وجود لحاجز بين الملك محمد السادس والشعب المغربي. على العكس من ذلك، هناك شفافية إلى أبعد الحدود وجرأة على قول الأشياء كما هي.

هذا ما حمل العاهل المغربي على القول في القسم الأوّل من خطابه إن “الروابط والمشاعر المتبادلة، التي تجمعنا على الدوام، تجعلنا كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص، في السراء والضراء. من هنا، فالعناية التي أعطيها لصحة المواطن المغربي وسلامة عائلته، هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة، لاسيما في هذا السياق الصعب، الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء كوفيد – 19”.

تكمن أهمّية مؤسسة العرش في المغرب في تلك القدرة على التعاطي مع هموم الناس. يشعر الملك محمد السادس بما يشعر به المواطن العادي، فيقول له “إذا كان من الطبيعي أن يشعر الإنسان، في هذه الحالات، بنوع من القلق أو الخوف، فإن ما أعطانا الثقة والأمل، هو التدابير والقرارات الحاسمة التي اتخذناها، منذ ظهور الحالات الأولى، لهذا الوباء في المغرب. وهي قرارات صعبة وقاسية أحيانا، لم نتخذها عن طيب خاطر، وإنما دفعتنا إليها ضرورة حماية المواطنين، ومصلحة الوطن.”

لا يقتصر كلام العاهل المغربي الملك محمّد السادس على وصف الوضع القائم وكيف واجهته السلطات بحزم، بل ينتقل إلى الذيول التي خلّفها الوباء. يقول في هذا الشأن “إننا ندرك حجم الآثار السلبية، التي خلفتها هذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فقد شملت انعكاساتها مختلف القطاعات الإنتاجية، وتأثرت كثيرا مداخيل الأسر، وميزانية الدولة أيضا. لذا، أحدثنا صندوقا خاصا لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء. وما أثلج صدرنا أن هذه المبادرة لقيت حماسة تلقائية وتضامنا متواصلا (…) ومع ذلك، أقول بكل صدق إن عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية، رغم الجهود التي نقوم بها للتخفيف من حدتها. لذا، أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أيّ موجة ثانية من هذا الوباء، لا قدر الله، خاصة أمام التراخي الذي لاحظناه”.

يضيف الملك محمّد السادس “إن عملنا لا يقتصر على مواجهة هذا الوباء فقط، وإنما يهدف أيضا إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها. وإذا كانت هذه الأزمة قد أكدت صلابة الروابط الاجتماعية وروح التضامن بين المغاربة، فإنها كشفت أيضا عن مجموعة من النواقص، خاصة في المجال الاجتماعي. ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة إلى الفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية. لذا، ينبغي أن نجعل من هذه المرحلة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا.”

تحدّث الملك محمد السادس أيضا عن “ضخ حوالي 120 مليار درهم (نحو 13 مليار دولار) في الاقتصاد الوطني، أي ما يعادل 11 في المئة من الناتج الداخلي الخام. وهي نسبة تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداما في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة.”

الهدف واضح كلّ الوضوح وهو يتمثّل في “توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية.”

ليس صمود المغرب في وجه وباء كوفيد – 19 صدفة. لا شيء يحدث بالصدفة في بلد يعمل فيه الملك محمّد السادس على تقوية الجبهة الداخلية وتحويلها إلى جبهة صلبة بعيدا عن الشعارات الفارغة والرنانة. هناك ترجمة عملية لكلّ كلمة يقولها، بما في ذلك محاربة الإرهاب عبر التصدّي للفقر أوّلا. أكثر من ذلك، كشفت السياسة الخارجية للمغرب أنّها سياسة تستند إلى قاعدة داخلية صلبة. في أساس هذه القاعدة الوضوح في الرؤية والابتعاد عن كلّ أنواع العقد. لا يقدم المغرب على أيّ خطوة من دون دراسة عميقة لها. وتؤكّد ذلك عودة المجتمع الدولي إلى قرارات مؤتمر الصخيرات الذي استضافته المملكة في العام 2015 من أجل إيجاد تسوية سياسية في ليبيا.

عملت قوى مختلفة من أجل إجهاض الجهود المغربية واستبعاد المغرب. لم تجد هذه القوى في نهاية المطاف سوى أنّ عليها العودة إلى ما صدر عن مؤتمر الصخيرات الذي استطاع الجمع بين كلّ الأطراف الليبية المعنية، فضلا عن أنّه استبعد الحل العسكري. وهو حلّ بات يعترف الجميع بأنّه لا وجود له.

بعد أقلّ من خمس سنوات على انتهاء مؤتمر الصخيرات، يتبيّن أن المغرب كان يعمل من أجل الاستقرار في المنطقة وليس من أجل خدمة طموحات ذات طابع إقليمي، كما يفعل غيره. ليس لدى المغرب مصلحة في أيّ طموحات من هذا النوع بغية الهرب من مشاكله الداخلية التي عرف كيف يعالجها بدل الادعاء أنّها غير موجودة.

تحدّث الملك محمّد السادس صراحة عن هذه المشاكل. من يريد التأكّد من ذلك، يستطيع العودة إلى خطاباته منذ العام 1999. لغة الأرقام لا تخطئ والتاريخ لا يرحم. لا يرحم أولئك الذين يصدّرون أزماتهم الداخلية إلى خارج حدودهم، كي يضحكوا على شعوبهم، ويعتقدون أنّ في استطاعتهم ابتزاز المغرب أو تجاهله أو استبعاده. ينسى هؤلاء أننا نعيش في عالم لا شيء ينجح فيه مثل النجاح، خصوصا عندما يتعلّق الأمر ببلد مثل المغرب متصالح مع نفسه ومع مواطنيه أوّلا.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع