المهدي المنجرة..ذكرى رحيل عالم المستقبليات

الأولى كتب في 15 يونيو، 2020 - 19:30 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

مصطفى طه ـ عبّـر

 

 

 

المثقف ابن الشعب، الذي فضح الغرب، وأساليبه في التدجين، ومد المستضعفين بأدوات التحصين، هكذا كتب المفكر والاقتصادي وعالم الاجتماع المغربي الراحل المهدي المنجرة، الذي يعتبر كأحد أكبر المراجع العربية والدولية، في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية، حيث كان لا يشك ولو للحظة واحدة، في أن التغيير آت لا محالة، لكنه كان دائم طرح الأسئلة عن مدى كلفة هذا التغيير، متخذا في ذلك على دلائل ومعلومات أكاديمية، في تفسيراته واستنباطاته التحليلية، وفي نطاق علوم المستقبليات، بعيدا عن كل الشكوك التنبؤية الادعائية التقديرية.

 

 

بحلول يوم 13 يونيو 2020، تكون قد مرت على رحيل عالم المستقبليات المنجرة صاحب مقولة: “أجدني متشائما على مدى القصير لأنني متفائل على المدى البعيد”، ست سنوات، كانت كتبه ومقالاته وندواته وأفكاره، وضعتنا وجها لوجه، أمام خيباتنا، أمام هزائمنا المتوالية مع الذات قبل الآخر، وفضحت نخبتنا المفلسة، ومثقفينا الانتهازيين، مفكر استثنائي تجاهله بنو جلدته، فعانق العالمية، وأضحى كونيا.

 

اعترف أشهر المفكرين الأمريكيين المعاصرين “صامويل هنتغتون”، بأنه سبقه إلى اكتشاف مفهوم “الحرب الحضارية”، وأعلن في مقدمة كتابه “صدام الحضارات” الصادر سنة 1993 ، أن هذا المفكر المغربي، هو أول من سبقه الى أطروحة “صدام الحضارات”، وهو أكبر من جلس على الكراسي العلمية لجامعة هارفرد، كتب في مقدمة كتابه يقول: “إنه المهدي المنجرة ذلك العالم المستقبلي الذي اكتشف بأن تاريخ العالم ليس سيرورة، ولكنه صراع مستمر بين الحضارات”.

 

 

ساهم المفكر المنجرة، في تأسيس أول أكاديمية لعلم المستقبليات، وترأس خلال أربعين عاما، أكبر معهد للأبحاث المستقبلية والإستراتيجية في العالم، وتخطى جغرافية المكان، فكانت كتبه بالعربية والانجليزية والفرنسية واليابانية، وحاز العديد من الجوائز الدولية والوطنية، حطمت كتبه الأرقام القياسية في المبيعات، من قبيل “الحرب الحضارية الأولى” و “عولمة العولمة” و “قيمة القيم” و “انتفاضات في زمن الذلقراطية” و “الإهانة في عهد الميغا-امبريالية”.

 

 

بأسلوبه الهادئ، شن حربا صاخبة على الاستبداد والاستكبار، ولكي لا يلهم الشعوب وتسري أفكاره التحررية والتغييرية في وعي الأمة، منع من المحاضرة في غير قليل، من بقاع الوطن العربي والإسلامي، تنبا بحدوث الثورات العربية، وتحدث حتى عن نتائجها، أطلق عليه وزير الخارجية الفرنسي السابق ميشال جوبير، لقب “المنذر بآلام العالم”.

 

 

هرم من عيار عالم، خير ما يجري في العالم، لأنه ببساطة، ولج الأروقة الدبلوماسية، فخير دهاليز الأمم المتحدة، وعرف خباياها ومنطلقاتها السياسية والإيديولوجية، وعاش حياة زاخرة بالبحث العلمي، والكتابات الفكرية، والنضال السياسي والثقافي، غير أنه ضحى بكل الكراسي والألقاب، ليرشف مع مبادئه وأفكاره، شربة “كرامة وعدالة وحرية”، ناهض العنف والإقصاء والتجبر، فأعطى وبذل وبنى ووجد الترياق التنموي المستقبلي لأدواء العالم الثالث، وعرى قبح “الإمبريالية المتوحشة والعولمة الجشعة”.

 

 

ربما لا يتسع الوقت، للتطرق لكل أفكار هذا العالم الفذ، واسهاماته الفكرية وتحليلاته المستقبلية، التي تحقق الكثير منها على أرض الواقع، إلا أنه يجب التوقف كثيرا وباحترام وتقدير عند هذه القامة، التي أصبحت أيقونة في تحدي الاستبداد الكوني، ورفضه للإهانة، وطموحه الساعي والمستمر، في الدفاع عن الكرامة والقيم الحضارية والإنسانية، فما أشد حاجتنا اليوم، إلى أمثال هذا الرجل، الذي كان مجتمعا لوحده، في ظل عصر الضياع.

 

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع