“الفار” فأر التجارب الذي فضح ألاعيب الترجي و“الكاف”

عبّر معنا كتب في 26 سبتمبر، 2019 - 12:39 تابعوا عبر على Aabbir
محمد أتكدار
عبّر

محمد أتكدار ـ عبّــر

 

في الوقت الذي قرر فيه الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” اعتماد تقنية الفيديو الحكم المساعد “VAR”، في المباريات الحاسمة، لتقديم يد العون لقضاة الملاعب على اتخاذ القرارات الصحيحة والسليمة في الحين، كحل جاء به جهاز “الفيفا” بمعية لجنة الحكام التابعة له، للحد من الأخطاء التحكيمية القاتلة، التي عادة ما ترجح كفة فريق على حساب كفة آخر، بعيدا عن مبدأ الاستحقاق والتنافس الشريف، نجد الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم “كاف”، ترسم خططها خارج هذا الإطار، وتستخدم هذه التقنية الحديثة وسيلة لتشجيع الحكام على ارتكاب المزيد من المجازر التحكيمية، في حق أندية لا حول لها ولا قوة، وليس لوقف نزيف الأخطاء المؤثرة، حتى وإن كانت كل المعطيات التقنية للقاء، تصب في صالح الطرف المظلوم لتحقيق نتيجة الانتصار.

 

يحدث هذا داخل جهاز كروي إفريقي، ضرب فيه الفساد أطنابه حتى صار فيه الحلال حرام والحرام حلال، استنادا إلى فتاوى الكولسة، التي تصدرها جماعة الضغط المتحكمة في تدبير شؤون “الكاف” من وراء الستار، وتصاغ حسب الطلب بمباركة من أذرع الفساد، وما يحيط بها من داعميه، خدمة للأجندات الرافضة لمواكبة التطور الحاصل في مجال كرة القدم العالمية، وما يزيد الوضع أكثر ضبابية هو أن هذه الممارسات اللا رياضية تقع في واضحة النهار، وأمام أعين أصحاب القرار داخل دهاليز “الكاف”، دون الاكتراث لما تنص عليه القوانين التي تؤطر عمل الحكام، ما يضرب التنافس الشريف في الصميم، ويتنافى مع الهدف الأسمى للرياضة الذي جاءت به اللجنة الأولمبية الدولية، المتمثل أساسا في تحقيق وترسيخ مبدأ الروح الرياضية، بين الأطراف المتبارية على رقعة الميدان ومعها الشعوب، لكن القائمين على إدارة شؤون “الكاف”، غردوا خارج السرب، وقاموا بتسويق صورة مشوهة عن واقع كرة القدم الإفريقية إلى كافة المتتبعين الرياضيين عبر كل بقاع وأصقاع العالم.

 

نموذج الصورة القاتمة عن التسيير الرياضي في القارة الإفريقية، هو ما تعرض له الوداد البيضاوي من ظلم وحيف تحكيمي في إياب مباراة نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام مضيفه الترجي التونسي، بملعب رادس يوم 31 من شهر ماي الماضي، تمثل ذلك في حرمانه من هدف صحيح لا غبار عليه بشهادة الجميع، حمل بصمة اللاعب وليد الكرتي، إلا أن الحكم الغامبي باكاري غاساما، كان له رأي آخر بعدم احتسابه، بعد وقوعه في مرمى الانحياز لجهة على حساب أخرى، غايته الرئيسية في ذلك فسح المجال أمام التونسيين بغية الظفر باللقب، بناء على توجيهات وتعليمات من جهات معينة، شغلها الشاغل الإجهاز على قواعد اللعب النظيف، حتى يتسنى للترجي التونسي صعود منصة التتويج، بواسطة سرقة مجهودات لاعبي الوداد البيضاوي، إذ تم تسخير كل أدوات التدليس والخداع، بتغييب تقنية “الفار”عن المباراة مع سبق الإصرار والترصد، رغم أن لقاء الذهاب بالعاصمة الرباط بين الفريقين لعب بحضور تقنية “الفار”، لضمان النزاهة والشفافية، ما يبين بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة نية مبيتة بعدم وجودها برادس، وإن كان رئيس الترجي التونسي حمدي المدب حاول أن يبعد فريقه عن دائرة ألاعيب الفساد، بعد خروجه بتصريح إعلامي لموقع “إنسايد وورد فوتبول”، وحمل فيه المسؤولية الكاملة في ما جرى “للكاف”، لكنه سقط في تناقض صريح خلال التصريح ذاته، لما قال “إن إجراء المباراة النهائية أمام جماهيرنا الغفيرة وتحت ضغط رهيب، يفرض علينا تحقيق الفوز والاحتفاظ باللقب الإفريقي مهما كانت التكلفة”، في إشارة قوية إلى ضلوع مكونات الترجي في اندلاع شرارات أحداث رادس.

 

فضيحة رادس إدانة واضحة لكافة أجهزة “الكاف”، نظرا لفتحها المجال أمام فريق الترجي التونسي ومعها مسؤولي الاتحاد التونسي، للقيام بممارسات دنيئة عنوانها فرض قانون الغابة وترهيب الضيوف، بدون حسيب ولا رقيب، في خرق سافر للقوانين والأعراف المعمول بها في عالم كرة القدم، ويعود السبب بالأساس إلى وجود حرب باردة بين التيارات داخل مؤسسة واحدة، الشيء الذي أثر بشكل كبير على عمل لجان “الكاف”، خاصة فيما يتعلق بتطبيق القانون، وما يرافقها من قرارات ارتجالية، آخرها قرار لجنة الانضباط التابعة “للكاف”، القاضي باعتبار فريق الوداد البيضاوي منسحبا من المشهد الختامي لمسابقة دوري أبطال إفريقيا، ومنح اللقب والميداليات للترجي التونسي، ومن خلال قراءة متأنية لحيثيات هذا القرار يتبين أن “الكاف” ليس لديها الأدلة القطعية لانسحاب الفريق الأحمر، لأنه لو كان ذلك بالفعل، فمن سيمنعها لإصدار عقوبات الإيقاف لمدة عامين في حقه، وفي هذا الإطار يجب التأكيد على أن مكونات الفريق الأحمر طالبت فقط بضرورة العودة إلى تقنية “الفار”، بغية قطع الشك باليقين حول مشروعية الهدف الذي سجل تحديدا في الدقيقة 58، وذلك كشرط لمواصلة أطوار اللقاء، بيد أن الأمور تطورت إلى حد السب والشتم والتهديد من طرف التونسيين، وعلى رأسهم رئيس الترجي حمدي المدب، في حق سعيد الناصيري رئيس الوداد البيضاوي والملغاشي أحمد أحمد رئيس “الكاف”، بعدما وقفت اللجان التنظيمية للمباراة عاجزة على اتخاذ أي قرار قد ينهي الجدل بخصوص أحداث رادس، بحكم معرفتها المسبقة بأن تقنية “الفار” غير موجودة أثناء اللقاء وتم تعطيلها بفعل فاعل، وهذا وحده يكفي لإنزال عقوبات قاسية على الجانب التونسي.

 

لقد اتضح جليا أن جهاز “الكاف” فاقد للشرعية، وليس له أي سلطة إدارية ولا قانونية، لمعاقبة المخالفين للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل خلال تنظيم المسابقات، كما أنه لا يتمتع بجميع الصلاحيات لاجتثاث الفساد الرياضي من جذوره في القارة الإفريقية وردع المفسدين، وخير دليل على ذلك الطريقة الارتجالية التي تعامل بها مع فضيحة رادس، حين اجتمع مكتبه التنفيذي بباريس واتخذ القرار بإعادة النهائي بين الوداد والترجي في ملعب محايد، إلا أن المحكمة الدولية للتحكيم الرياضي “طاس”، ألغت قرار “الكاف”، كون أن لجنة الانضباط هي الجهة المخولة للبت في هذه الواقعة وليس المكتب التنفيذي، وما زاد الطين بلة هو أن اللجنة المذكورة ألغت بدورها قرار المكتب التنفيذي، ما يفسر أن القرار الأول والثاني “للكاف”، اتخذوا لجبر الخواطر فقط، خصوصا إذا استحضرنا مبررات اللجنتين التنفيذية والانضباطية، فالأولى أكدت بأن قرار إعادة النهائي جاء بناء على انعدام الظروف الأمنية وسوء التنظيم، بسبب إدخال عناصر مسلحة وملثمة لتأمين النهائي، بينما اعتبرت الثانية فريق الوداد البيضاوي منسحبا، بعد اعتمادها فقط على تقرير الحكم الغامبي باكاري غاساما، دون أن تكلف نفسها عناء الإطلاع على تقرير مندوب اللقاء الموريتاني أحمد ولد يحيى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حتى لجنة الاستئناف أيدت قرار لجنة الانضباط، بعد قبولها الطعن الذي تقدم به الوداد البيضاوي شكلا ورفضه من حيث المضمون، ما يعني تتويج الترجي وانسحاب الوداد، علما أن مثل هذه الحالات تستوجب الاعتماد على جميع المعطيات التي من شأنها أن تعطي الصورة الكاملة، حول ما وقع لاتخاذ القرارات المناسبة، رغم أن الدفوعات التي تقدمت بها إدارة الوداد البيضاوي، كانت كافية لو تم استثمارها على نحو جيد، لإدانة كل من ثبت في حقه الضلوع في عرقلة السير العادي للمباراة.

 

صحيح أن فضيحة رادس تضرر منها الوداد البيضاوي ومعه كرة القدم المغربية، على مستوى الجانب الرياضي، بحكم ضياع اللقب الإفريقي، لأسباب مختلفة ومتعددة توزعت بين الامتناع عن مواصلة أطوار اللقاء، وقلة الخبرة والتجربة في تتبع مسار الملف في طريقه إلى “الطاس”، للدفاع عن مصالح الفريق، غير أن حجم الضرر لن يصل إلى مخلفات تهمة سرقة الألقاب التي تلاحق الترجي التونسي، وقد تنعكس عليه بالسلب من خلال تبعات مستقبلية، سيما وأن سمعته أصبحت ملطخة بدماء الفساد، على الرغم من المحاولات اليائسة من بعض المنابر الإعلامية التونسية للتستر على هذه الممارسات اللا رياضية، باستعمال أساليب التمويه والقفز الممنهج على الضوابط الأخلاقية والمهنية المؤطرة للعمل الصحافي، كما أن أحداث رادس كشفت المستور، بعدما عرت الوجه الحقيقي لمسؤولي أعلى جهاز كروي إفريقي، في طريقة تدبيرهم لشؤون “الكاف”، التي يطبعها الكثير من الفساد الإداري والمالي، وما يرافقه من عشوائية في التعامل مع القوانين والأنظمة، في ظل غياب الشفافية اللازمة في توظيف الآليات القانونية، والإجهاز المتعمد للقضاء بشتى الطرق على كل ما من شأنه أن يدفع في اتجاه تحسين أوضاع الكرة الإفريقية.

 

في واقع الأمر، ما يتخبط فيه المكتب الحالي “للكاف” من مشاكل على عدة مستويات، ليس وليد اليوم، بل امتداد لسنوات طويلة استشرى فيها الفساد حتى بلغ أعلى المعدلات، بل كان السمة الغالبة والبارزة للتسيير طيلة عقود من الزمن، أغلبها كانت تحت رئاسة الكاميروني عيسى حياتو، الذي عمر لقرابة سبعة وعشرين عاما داخل أروقة “الكاف”، دون أن يستجيب للضمير المهني الذي يفرض عليه القيام بمهمته على أكمل وجه، بهدف تطوير كرة القدم الإفريقية، بدل الاغتناء الفاحش على حساب إرادة أصحاب النوايا الحسنة المتعطشين لرؤية الممارسة الكروية الإفريقية فوق قمة الإشعاع والتألق، أسوة بما حققته الاتحادات القارية الأخرى، من إنجازات رياضية على جميع الأصعدة، مع التأكيد على أن مسؤولية التسيب الحاصل داخل “الكاف”، تقع مشتركة بين جميع المتدخلين في الشأن الكروي الإفريقي، بما في ذلك الإتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، الغائب الحاضر عن برج المراقبة، وتتبع الكيفية التي يتم بها تحريك عجلة التسيير الرياضي الإفريقي، على اعتبار أن مؤسسة “الفيفا”، لعبت في أحيان كثيرة دور المتفرج في ما تنتجه “الكاف”، من مسلسلات الفساد الرياضي، لأنها عاشت بدورها على وقع فضائح أخلاقية ومالية وإدارية، على وجه التحديد في حقبة السويسري جوزيف بلاتر.

 

من المعلوم أن فضيحة رادس وما تولد عنها من أخطاء قاتلة، دفعت الملغاشي أحمد أحمد رئيس الإتحاد الإفريقي لكرة، للاستنجاد بالسويسري جياني إنفانتينو رئيس “الفيفا”، للتدخل المباشر قصد تقديم يد المساعدة، لتصحيح ما يمكن تصحيحه داخل البيت الداخلي “للكاف”، والتصدي لكل من أراد الإساءة إلى الروح الرياضية، وتجلى ذلك في توقيع اتفاقية بين الجانبين، بخصوص إشراف “الفيفا” على إدارة شؤون “الكاف” لمدة ستة أشهر، في شخص السنغالية فاطمة سامورا الأمينة العامة الحالية “للفيفا”، وذلك على هامش الجمعية العمومية “للكاف” الـ 41، المنعقدة بالعاصمة المصرية القاهرة، يوم 18 من شهر يوليوز الماضي، ولو أن هذه الخطوة غير قانونية حسب المتخصصين في القانون الرياضي، على اعتبار أن جهاز “الفيفا”، يحق له التدخل في شؤون الاتحادات المحلية فقط وليس الاتحادات القارية المستقلة بذاتها، ولكي نضع الأمور في سياقها الطبيعي لابد من الإشارة إلى أن إصلاح منظومة كرة القدم الإفريقي، يتطلب تعبئة شاملة عاجلة من لدن المتدخلين في الشأن الكروي الإفريقي، وليس الحلول الترقيعية التي لا تجدي نفعا.

 

إن الحديث عن تحرير الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم “كاف”، من قبضة الفساد الرياضي بشتى أنواعه، يتوقف عند إرادة حقيقة لكافة مكونات الكرة الإفريقية من مسيرين وإعلام وجماهير، وكل من من يدور في فلك هذه المنظومة، وذلك بوضع آليات جديدة للاشتغال، عناوينها الرئيسية؛ تجديد النخب مع إعطاء الفرصة الكاملة للشباب الحامل لطابع الكفاءة والمتسلح بالتكوين الأكاديمي والعلمي، باعتباره الركيزة الأساسية في العملية التسييرية، وما تقتضيه من تضحيات وحزم خدمة للمصلحة العامة، بالإضافة إلى إعادة النظر في طريقة عمل الهياكل الإدارية والتنظيمية، التي من شأنها أن تقوم بتسريع وتيرة تنزيل القوانين والأنظمة على أرض الواقع وأجرأتها، وفق شروط أساسية أهمها احترام الاختصاصات ثم ربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن الانفتاح على التجارب الناجحة، من خلال فتح قنوات التواصل مع الشركاء والفاعلين الرياضيين، قصد تحقيق ما يرنو إليه عشاق الكرة بالقارة الإفريقية، وإزالة ضبابية العشوائية التي تسيطر على المشهد الرياضي.

 



شاهد ايضا:

 

كلمات جد مؤثرة من الملك محمد السادس في حق الراحلة أمينة رشيد

التفاصيل الدقيقة… عن ‘القميص العربي’ للملك محمد السادس

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع