الطابور الخامس ونهاية أسطورة الاستقواء بالخارج

الأولى كتب في 6 مارس، 2021 - 14:47 تابعوا عبر على Aabbir
العلم المغربي
عبّر

عـبّر 

 

يبدو أن أنصار الطابور الخامس لم يستوعبوا بعد التغيير العميق في قواعد المسار السياسي والدبلوماسي والحقوقي في بلادنا. هؤلاء مصرون على أنهم لوحدهم المناضلون المستقلون، وحدهم المدافعون عن حقوق الإنسان، ووحدهم من يملك الحق في الحديث باسم الشعب، مهما بلغ بهم التناقض الفاضح بين القول والفعل، فقط لأن لهم علاقات مع بعض الصحافيين الأجانب أو مع بعض المنظمات الدولية أو الجهات المانحة، أو أنهم يعرفون بعض المسؤولين في السفارات، التي يقدمون لها التقارير من حيث لا يعلمون أو يعلمون..

لم يفهم هؤلاء أن ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان هو خيار استراتيجي يرعاه جلالة الملك محمد السادس، مع حرص شديد لأعلى سلطة في البلاد على تنمية البلاد عبر إطلاق الأوراش الكبرى وضمان حق المواطن في العيش الكريم بإجراءات ملموسة، لعل آخرها قانون الحماية الاجتماعية الذي يشكل ثورة حقيقية ستساهم في تحسين ظروف عيش المواطنين، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الخصام مع الرأي العام

لم يتساءل عناصر هذا الطابور للحظة ولو في إطار نقد ذاتي، لماذا لا يجد خطابهم صدى لدى المغاربة داخل وخارج أرض الوطن؟ الإجابة عن هذا السؤال تقتضي طرح العديد من العناصر والأسئلة الاستنكارية، لعل هؤلاء الذين يحاولون الاستقواء ببعض المنظمات الأجنبية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وجزء من الإعلام الأجنبي الذي مازال ينظر لبلادنا من خلال نظارات اسشراقية واستعمارية، يتعظون بعض الشيء..

هؤلاء في خصام مع الرأي العام، لأن المغاربة مهما كانت انتقاداتهم لنواقص وطنهم عبر كل الطرق المشروعة وهذا حقهم الدستوري بل وواجبهم على بلادهم، إلا أنهم متشبثون بتوابثهم ورموز وحدتهم وعزتهم، فالمغربي لا يقبل التطاول على رمز الأمة وضامن وحدتها جلالة الملك محمد السادس، ولعل لنا المثال الحي والواضح مع قناة “الشروق” الجزائرية وكيف دافع المغاربة عن ملكهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل أربك النظام الجزائري الفاقد للشرعية والجاثم على قلوب أشقائنا في هذا البلد.

المغربي لا يقبل المساس بوحدته الترابية، وقد تابعنا كيف ساند المغاربة قواتهم المسلحة الملكية خلال عملية تحرير معبر الكركرات، وتابعنا الدعم الشعبي الكبير لكل الخطوات التي تتخذها الدبلوماسية المغربية تحت القيادة الفعلية للعاهل المغربي في هذا النزاع المفتعل على أقاليمنا الجنوبية، هل نذكر هؤلاء بالمسيرة المليونية الحاشدة التي نظمها المواطنين في قلب العاصمة الرباط للاحتجاج على انحرافات الأمين العام السابق للأمم المتحدة؟

المواطن المغربي يتابع ويدرك، مع كامل الأسف، أن عددا كبيرا من عناصر هذا الطابور ومسانديهم في بعض الإعلام الأجنبي الناطق بالفرنسية والانجليزية، لا يخفون مساندتهم للطرح الانفصالي وتبنيه والدفاع عنه، هل نحتاج في هذا الإطار إلى التذكير بمواقف الصحافية في جريدة» «L’Humanité الفرنسية روزا الموساوي المساندة لجبههة البوليساريو؟ هل نذكر بمواقف الصحافية سامية الرزوقي المساندة للانفصاليين وللطرح الجزائري؟ هل نذكر بالموقف المخزي للصحافي عزيز اليعقوبي في وكالة رويترز بالإمارات العربية المتحدة إزاء التدخل المغربي في معبر الكركرات؟ هل نذكر أن منظمة هيومن رايتس ووتش التي يحتل فيها أحمد رضا بنشمسي موقعا مرموقا، تصف الوجود المغربي في الصحراء بالاحتلال؟

حقوقيون بقراءة أحادية

المغاربة لا يفهمون كيف لهؤلاء ألا يركزوا في مقالاتهم المدفوعة الأجر من طرف الجهات المانحة، سوى على ما يرونه نقطا سلبية في بلادنا، والحال أنك لن تجد لهم مثلا ولو تدوينة، تحتفي بإشادة منظمة الصحة العالمية، بالمغرب وتهنئته بعد تواجده بترتيب الدول العشر التي نجحت في تحدي التطعيم ضد كوفيد-19.. من شروط الموضوعية أن يحافظ الفاعل الحقوقي والإعلامي على شرط التوازن المطلوب، وعندما يلاحظ المواطن أن هؤلاء لا يلتزمون بشروط التحليل العلمية، يفهم جيدا أنهم في خدمة طرف ثالث لا علاقة له بالوطن.

خصام الرأي العام مع هؤلاء الذين لا يتعدى عددهم بضعة أفراد له أيضا علاقة، بين ما يعاينه المواطن يوميا من تقدم ملموس على صعيد الممارسة السياسية والمدنية، وبين ادعاءات هؤلاء..

دعونا نكون أكثر دقة مع هؤلاء، أليست في بلادنا جمعيات حقوقية تنتقد بشكل يومي السلطات وتنبه إلى الاختلالات وحتى الانتهاكات إن وجدت وتشتغل بشكل عادي دون مضايقات؟ لماذا هذه الجمعيات لا تقول إن السلطات العمومية تقوم بالتضييق عليها؟ ألا يوجد في بلادنا بناء مؤسساتي وفصل بين السلط وأحزاب سياسية تؤطر المواطنين وتعبر عن مواقفها مهما كانت عبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها؟ صحيح هناك عدد من الاختلالات، لكن من خلال التجربة وواقع الممارسة تحاول بلادنا التقدم نحو الأمام على مستوى تجويدها.

السؤال الأبرز في هذا الإطار: لماذا المنظمات الدولية الأجنبية لا تستمع إلا لآراء عناصر الطابور الخامس، ولا تعتمد على تقارير جمعيات حقوقية وازنة ولها دراسات ترصد من خلالها التجاوزات والانتهاكات وتقدم البدائل على مستوى تطوير السياسات العمومية؟ الجواب لأنها تجد عند هؤلاء ما يخدم أجندات اللوبيات التي تقف وراءها، والتي يثير انتباهها خطاب عناصر الطابور الخامس المغذي لرؤيتها الاستشراقية تجاه سكان وبلدان المناطق الجنوبية، ولهذا تلحظ أنهم في كل مرة يحاولون تسييس القضايا لجعلها جذابة للمؤسسات الأجنبية التي تمول مشاريعهم.

ثم دعونا نطرح سؤالا يتعلق بعناصر هذا الطابور، ألا يمارسون حريتهم في التنقل إلى البلاد ويؤطرون ندوات ويكتبون مقالاتهم المسمومة ضد الوطن؟ هل يتعرض لهم أحد أو يضيق عليهم أحد؟ هل اعتقل أحد منهم بمجرد دخوله إلى البلاد من دون سبب؟ الواقع أن المملكة المغربية متسامحة رغم استقواء هؤلاء ببعض اللوبيات الأجنبية، وتضمن لهؤلاء ولغيرهم الحرية، بل إن منهم من مارس عملا صحافيا مع مؤسسات إعلامية دولية من العاصمة الرباط.

للديمقراطية ضريبة، وهي أن تقبل بمختلف الآراء مهما كانت خاطئة، بل وضمان التعبير عنها بكل حرية، ولم نر مثلا أن الدولة المغربية مثلا اتخذت إجراء ضد حزب “النهج الديمقراطي” التي نشر بيانا مساندا للبوليساريو، عقب تحرير معبر الكركرات من طرف القوات المسلحة الملكية، كما لم نعاين قرارا إداريا بمنع أنشطة “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” رغم نشرها للعديد من الادعاءات المجانبة للصواب.

في المقابل، فالحرية ليست مطلقة وكونك مناضلا حقوقيا يجب عليك الالتزام بالقوانين وعدم ارتكاب المخالفات، لأنه لا يعقل أن لا تتم متابعتك مثل أي مواطن فقط لأنك “فاعل حقوقي” (أو فاعل سياسي إن صح التعبير)، وعندما يتخذ أي إجراء ضدك تحاول أن تجيش اللوبيات، التي تدعمك “والجهات المانحة” من أجل توفير “الدعم الحقوقي” لك.

وهم الاستقواء بالخارج

ما لم يستوعبه هؤلاء أن لعبة الاستقواء بالخارج وضعت لها الدولة المغربية حدا. لا يفهم عناصر الطابور الخامس أن المغرب مملكة عريقة ولها تاريخ وأمجاد تمتد لآلاف السنين، دولة بهذا الحجم لا يمكن أن يرتهن قرارها للضغط الخارجي أو يخيل للبعض أنه يمكن أن يمارس عليها ضغطا لفائدة شخص معين متهم في قضايا جنائية..

عدم استيعاب هؤلاء يتجلى في الصدى الضعيف جدا لاستغاثاتهم المتتالية نحو “مشغليهم” السابقين، ومع ذلك يستمرون في المحاولة.. ألم يخبرنا محمد زيان منذ شهور الذي طرده مناضلو الحزب الذي كان يقوده بأن كاملا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، سوف تدخل على خط الضابطة السابقة وهيبة الهاربة من العدالة المغربية، في محاولة مكشوفة للاسقواء بالخارج؟ ماذا حدث بعد ذلك؟ لاشيء، هل منع هذا الاستقواء (حتى لا نقول الكذب) وزارة الداخلية من رفع دعوى قضائية ضد المحامي محمد زيان بسبب تطاوله المتكرر على مؤسسات الدولة؟ الجواب بالنفي طبعا، والسلطة القضائية هي التي ستفصل في هذا الملف بناء على الوقائع وليس الادعاءات والخطابات الفارغة، كما فصلت في قضية الضابطة السابقة وهيبة..

الاستقواء بالخارج بلغ منتهاه لدى البعض، بعدما انتخب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فها هي عايدة العلمي، الصحافية المغربية المقيمة خارج أرض الوطن، تخبرنا يوم السابع من نونبر 2020، أن سيناتورا أمريكيا يعد من المقربين لجو بايدن تضامن مع عمر الراضي، في إشارة إلى دور محتمل له من أجل دفع الإدارة الأمريكية للتدخل في هذا الملف المعروض على القضاء.

وها هو شخص آخر من أفراد الطابور الخامس، يخبرنا أن هناك علاقة مفترضة بين المعطي منجب ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية على اعتبار أن هذا الأخير كان رئيسا للمجلس الإداري لمركز كارنيجي الذي كان يكتب فيه المعطي منجب مقالاته، والحال أن منجب لم ينشر أي مقال بحثي أكاديمي في هذا المركز، وكل ما في الأمر أنه كتب مقالات إعلامية عادية في نشرة صدى التابع لكارينجي.

هل ما يعتبره أنصار الطابور الخامس “ملفات حقوقية” وجد له صدى أو مجرد لدى الإدارة الأمريكية، الجواب بالنفي طبعا، ولم يصدر أي موقف في هذا الشأن لعدد من الاعتبارات رغم كل حملات عناصر الطابور الخامس وأنصارهم، فهذه الملفات القضائية ذات الصلة بالقانون الجنائي، بعيدة كل البعد عن اهتمامات الإدارة الأمريكية.

الإدارة الأمريكية لم تتدخل بأي شكل من الأشكال في قضية شفيق العمراني رغم أنه حامل للجنسية الأمريكية، رغم أن بعض مسانديه لم يكفوا عن التلويح بهذه الجنسية على اعتبار أنها تمنحه وضعا امتيازيا مقارنة بباقي المواطنين، وفي النهاية مازال معتقلا بناء على اتهامات جنائية موجهة له، ولم يتدخل أي طرف داخلي أو خارجي في سير العدالة.

عدم وجود أي شكل من أشكال التدخل في هذا الملفات، رغم الضغط الذي تحاول أن تمارسه بعض المنظمات الحقوقية الأجنبية وتابعيها من أنصار الطابور الخامس، راجع لعدد من الاعتبارات. اعتبارات تم التعبير عنها بشكل واضح على لسان وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، عندما سئل عن ملف المعطي منجب، بقوله إنه “معتقل في إطار مسطرة قضائية مغربية وأن المصالح القنصلية تتابع ملفه” (على اعتبار أنه حامل للجنسية الفرنسية)..

ولو لاحظ عناصر الطابور الخامس الفرق بين ردود الفعل تجاه ملفات سليمان الريسوني وعمر الراضي والمعطي منجب ذات الطبيعة الجنائية، مع الموقف الفرنسي والأوروبي بشأن ملفات حقوقية تخص دولا آخرى، لاتضح لهم بشكل واضح أن هناك اقتناعا دوليا بأن الملفات المذكورة وغيرها ليست لها علاقة بأي تهم سياسية، وهو ما يتضح بشكل واضح عندما تدقق في كل ملف بعيدا عن الخطابات الرنانة والفارغة والتي لا تستند على أي أساس اللهم استدرار تعاطف بعض الأجانب الذين مازالوا يحنون لفترة الاستعمار ويحاولون أن يضعوا أنفسهم في موقع الأستاذ الذي يعطي دروسا للتلميذ.

لائحة التهم الموجهة إلى هؤلاء كلها جنائية، وليست فمن بينها أية تهمة سياسية وقدمت السلطات القضائية ما يكفي من القرائن والأدلة لاستمرار اعتقال هؤلاء، رغم كل محاولات تسييس قضاياهم..

إن الدرس الذي يجب أن يستفيد منه عناصر الطابور الخامس، هو أنه لا أحد فوق القانون وأن المغرب دولة ذات سيادة ولا يمكن لأي جهة التدخل في عمل مؤسساتها المستقلة، والدرس الثاني أن من دفع بعض من هؤلاء إلى تنفيذ أجندات أجنبية معادية للوطن مثل حالة عمر الراضي، المتابع بتهم الاغتصاب والتخابر مع جهات أجنبية، والذي تلقى تمويلا من منظمة “بيرثا” المساندة للطرح الانفصالي ومن السفارة الهولندية، أو حالة المعطي منجب الذي كان يتلقى دعما ماليا من أجل تنفيذ أجندة معدة بعناية.. وغيرهم، هو أول من سيتخلى عنه عند أول سقوط محتمل في الطريق.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع