التشويش على مكافحة الإرهاب، إرهاب

الأولى كتب في 25 ديسمبر، 2018 - 17:25 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

 

محمد بالي ـ عبّر 

 

في سابقة من نوعها تعرّضت الطالبة الطالبة الدانماركية لويزافيسترغريسبرسن (24 عاما) والنروجية مارينأولاند (28 عاما) وهما سائحتان هاويتان لتسلق الجبال إلى حادثة إرهابية بعد أن تمّ ذبحهما ببشاعة من قبل إرهابيين سبق وأعلنوا مبايعتهم لداعش.

 

 

الحادثة المروعة التي شهدتها مرتفعات الأطلس تؤكد على أن الإرهاب لا زال يتربّص بالمغرب وبشكل عنيف جدّا.. وعلى الرغم من أن مصالح الأمن استطاعت أن تفكك الكثير من الخلايا الإرهابية النائمة إلاّ أنّ هناك ما يعيق القيام بتجفيف منابع الإرهاب بالشكل الذي تتناغم فيه المقاربة الأمنية مع المجتمع المدني.

 

 

يلاحظ في الآونة الأخيرة أنّ هناك عدم إدراك حقيقي لحجم المخاطر التي يمثلها الإرهاب في بلادنا، حيث أصبح ملف الإرهاب موضوع بوليميك ومزايدات لدى بعض الهيئات مما يجعل العملية الأمنية تعمل تحت وابل من التشويش الذي تقوم به جهات كثيرة غير آبهة بما يجري اليوم.

 

 

ومنذ سُنّ قانون مكافحة الإرهاب ومسلسل التشكيك لا يتوقّف على الرغم من أنّ المغرب مدين للمقاربة الأمنية التي جنبت المغرب خلافا لدول إقليمية كثيرة بل أوربية الكثير من المحاولات لضرب الاستقرار والقيام بأعمال تخريبية. وبينما يتلقّى المغرب تنويها من دول أوربية واعترافات إقليمية ودولية بأنه استطاع أن يتجنب ما وقعت فيه دول أخرى خلال السنوات الماضية إلاّ أنّ هناك من لا زال يتمسك بالتشكيك حتى بعد حادثة الذبح المروعة للسائحتين.

 

 

ومع ذلك أظهر المجتمع المغربي تفاعلا كبيرا ضدّ هذه الجريمة وأكّد على أنّ الإرهاب سلوك دخيل على ثقافته ولم يبد أي تسامح مع منفذي الجريمة الإرهابية وهو ما ترك انطباعا حميدا لدى البعثية الديبلوماسية للدنمارك الذين نقلوا بدورهم تلك الصورة إلى صحافة بلادهم حيث قدّروا تضامن الشعب المغربي مع الضحيتين.

 

 

لا خلاف حول إدانة الفعل الإجرامي من منطلق أنه يستهدف المدنيين لغايات سياسية ويشيع الفوضى والخراب والاستقرار. وحالة المغرب متميزة بجوانب كثيرة في مجال مكافحة الإرهاب، إلاّ أن هناك ما يقتضي تسوية بعض الثغرات التي يستغلها الإرهابيون للإفلات من العقاب أو التخفيف من العقوبة.

 

 

تتجلى نقطة الضعف في محاربة الإرهاب في المغرب وتجفيف منابعه في الحذر الناجم عن التزامات المغرب بمواثيق دولية وفي مقدمتها حقوق الإنسان، ويكمن التناقض هنا في أنّ هيئات حقوقية بدل أن تدافع عن الإنسان كضحية للإرهاب تسعى لجعل الإرهابيين هم الضحية أمام كل التدابير الأمنية التي تلاحق خلايا الإرهاب.على هذا الأساس تعيّن أن يرتقي وعي المجتمع إلى مخاطر الإرهاب وأن يصبح طرفا في عملية مكافحته عن طريق خلق بيئة اجتماعية غير متسامحة مع التطرف كما تعين إعادة النظر في مواقف الكثير من الهيئات السياسية والحقوقية لأخذ أمر الإرهاب بجدية وعدم استعماله في الخلاف السياسي، فالموقف من الإرهاب يشبه الموقف من القضايا الوطنية التي تقتضي إجماعا وطنيّا.

 

 

تحتاج المقاربة الأمنية إلى تعاضد كل القوى في المجتمع المدني والأحزاب السياسية والقضاء لأن الإرهاب مشروع متكامل لذا يتطلب مشروعا متكاملا لمكافحته، وهذا يتطلّب مزيدا من التحسيس بخطورة الإرهاب وضرورة تجنيد وسائل التواصل الاجتماعي من قبل هيئات المجتمع المدني المنخرطة في مواجهة الإرهاب وكذلك ممثلي المصالح الأمنية لوضع المواطنين أمام طبيعة العمل الذي تقوم به هذه المصالح ومجمل الإنجازات وهو ما يتطلب تجنيد الإعلام الوطني لرصد وتتبع وتحسيس المشاهدين بخطورة ما يواجه المغرب.

 

 

ومن المؤكد أن الإرهاب يتزايد لأسباب دولية ونتيجة التطورات التي تشهدها مناطق النزاع في المشرق العربي، والمغرب سيكون هو ودول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء هدفا للعائدين من مناطق التّوتّر، ومع تزايد وتيرة الإرهاب لا بدّ من أن يتحمل الجميع مسؤولية التّصدّي لهذا الخطر الذي يستهدف كيان الأمة المغربية برمته.

 

 

وبينما تقوم مصالح الأمن بمهمتها في ملاحقة الخلايا الإرهابية تشكل وضعية المساطر القانونية فرصة قابلة للاختراق من قبل الإرهابيين أو من يستغل ملفاتهم في التشويش على مساطير الردع القضائي، وهو ما تؤكده حالات من تورط في عمليات إرهابية بعد مغادرة السجن. فالإرهاب يقاوم المساطير القضائية عن طريق التشويش وتضخيم حقوق الإرهابيين على حساب حقوق المجتمع والضحايا والأمن. إن القانون واضح غير أنّ القانون حين يواجه موجات من التشويش تتراجع قوته وهذا يتناقض مع دعوة بعض الهيئات التي تدعوا إلى دولة الحق والقانون.

 

 

ومن الملفت للنظر أن شخصيات من الجماعات الأصولية محسوبة على الاعتدال تنخرط هي الأخرى في هذا التشكيك غير المسؤول ولا زالت غير قادرة على حسم الموقف مع الإرهاب، ونلاحظ أنها تكتفي بإدانة الإرهاب فقط لمّا يتم تنفيذه ماديا أما حين يكون الإرهاب في مرحلة العنف الرمزي والتكفير فهم يظهرون له الكثير من التسامح.

 

 

لقد تم تمرير قانون الإرهاب في البرلمان بصعوبة حيث عارضه في البداية حزب العدالة والتنمية ولم يقبل به إلاّ عن مضض بعد الحوادث الإرهابية المروعة التي عرفتها بلادنا في 16 ماي، وجدير بالذكر، أنّ إحدى فصول هذا القانون تدين حتى مسببات الفعل الإرهابي، حيث جاء في الفصل2 – 218. ” يعاقب بالحبس من سنتين إلى ست سنوات وبغرامة تتراوح بين 10.000 و200.000 درهم كل من أشاد بأفعال تكون جريمة إرهابية بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية أو بواسطة المكتوبات والمطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية والإلكترونية.”

 

 

ويتذكّر الرأي العام أن حزب العدالة والتنمية دعى  إلى سحب القانون ولوّح بعدم المصادقة عليه ووصفه مصطفى الرميد الذي كان رئيسا أنذاك للفريق بأنه قانون إرهابي، كما يتذكر الرأي العام كيف شكك الرميد في إغلاق دور القرآن واعتبر ذلك بمثابة تضييق على الدعاة، وفي لقاء داخل دور القرآن سبق أن أشار الرميد إلى السياحة في مراكش وما يفعله السياح من موبقات، وهذا الحديث من وزير في حكومة إلى طلاب دور القرآن يحمل رسائل خطيرة تبين الخطر الذي تمثله في سياق تنامي خطاب الكراهية والعنف والتكفير، كما دافع الرميد عن معتقلي السلفية الجهادية معتمدا أسلوب التشكيك ومتهما الدولة بأنها تبالغ في هذا الملف غير أن من ساهم الرميد في الدفاع عنهم سرعان ما التحقوا بالإرهابيين في مناطق التوتر بمجرد ما خرجوا من السجن، وعلى نفس المنوال نسج عبد الإله بنكيران الذي أكد في أحد البرامج بأنّ العديد من السلفية الجهادية الذين قدروا بثلاثة آلاف- زج بهم في السجون بدون سبب بعد أحداث 16 ماي، رغم أن وزير العدل آنذاك كان قد صرح بتورط حوالي 100 في المحاضر الرسمية”.

 

 

تعاني مصالح الأمن لا سيما الفرق المعنية بمكافحة الإرهاب من صعوبات كبيرة ومتعددة في مواجهة خطر داهم لا يتردد في استغلال أي ثغرة للتسلل إلى قلب المغرب، لكنها تقوم بعملها الدقيق في ظلّ هذا التشويش وغياب تعاون حقيقي من قبل من يحاولون تسييس ملف الإرهاب الواقع بين يدي القضاء.

 

 

يبقى السؤال هو ماذا لو لم يسن قانون الإرهاب ووجد المغرب نفسه يكافح الإرهاب بترسانة من القانون الجنائي غير قادرة على استيعاب كل أبعاد هذه الظاهرة، وماذا لو أنّ موقف العدالة والتنمية أنذاك نجح في سحب ذلك القانون؟ هل كان بإمكان المغرب أن يفكك كل هذا العدد من الخلايا الإرهابية ويساهم في منع الكثير من العمليات الإرهابية التي كانت قيد التنفيذ..من هنا تعين اعتبار أي تشويش على الدور الوطني الذي تنهض به مصالح الأمن في إطار مكافحة الإرهاب هو نوع من الإرهاب الذي تمارسه بعض الجهات غير المعنية بمصلحة الوطن وأمن المجتمع.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع