الأعراس المغربية بين مطرقة التكاليف وسندان مواكبة “الموضة”

الأولى كتب في 25 أغسطس، 2019 - 21:00 تابعوا عبر على Aabbir
عرس مغربي
عبّر

نعيمة تشيشي ـ عبّــر

 

النقاشة والنكافة والمصور وممون الحفلات وفرق الموسيقى الشعبية حلقات سلسلة تؤثت حدث العرس المغربي، هي عادات وتقاليد وأعراف ولّت وأخرى تولدت من مخاض المنافسة والمواكبة وإبراز العرس الأجود وأفضل العروسات، وقد حافظت العائلات المغربية منذ القدم، على تقاليد العرس المتميزة بعراقتها وأصالتها، وانتقلت من جيل إلى جيل، لكنها شهدت مؤخرا تغيرات كبيرة متأثرة بالتطورات التي عرفتها بنية المجتمع المغربي.

 

البساطة واللحمة في أعراس الأمس

 

الأعراس المغربية

 

الخالة فاطمة تلك المرأة التي لازالت تتذكر تفاصيل زفافها، وتبتسم وهي تتحدث وبتنهيدة طويلة تقول “قديما كانت الأعراس المغربية تتسم ببساطتها في كل شي، حتى مراسم الخطوبة كانت كذلك، فكان أهل العريس يقومون بإعلام أهل العروس بقدومهم في اليوم الذي يليه ويأتون في المرة الأولى بأربع إلى ستة من” قوالب للسكر”، والحناء وبعض من الفواكه الجافة…وفي المرة الثانية، التي يأتون فيها، يتفقون على المهر (الصداق) الذي كان يصل إلى 2000 درهم كحد أقصى أو أٌقل منه بكثير، كما يتفقون على يوم الزفاف بعد مدة قد تتجاوز السنة”.

 

وتسترسل الحاجة فاطمة في الحكي “أما العروس في هذه المدة فكانت لا ترها أشعة الشمس، وتهتم بنفسها، وتقوم بوضع الحناء لجسمها وشعرها كل أسبوع، كما كانت تضع مسحوق الورد والبيض إلى وجهها لكي يزداد نضارة”.

 

مهر العروس كان لتأثيت البيت في أقصاه يصل 2000 درهم (الأعراس المغربية)

هو حديث أعاد لها الحنين إلى تلك الأيام، فتنهض بخطى مسرعة وكأنها خائفة من أن ينقطع حبل ذلك الإحساس، وتأتي بمخدة بيضاء مطرزة باللون الأخضر، وهي تنضر إليها وتقول “المهر الذي أعطي للعروس تقتني به العديد من الأشياء كالثياب وكل لوازم البيت من قنينة غاز وأواني صينية براد، وكل ماتراه مهما فقط بالإضافة الى أشياء تصنعها هي متل الزرابي المخدات المطرزة…”.

وتغير الحديث وتقول وبعد مرور مدة الخطوبة، يأتي أهل العريس بـ”الذبيحة” وتكون في غالب الأحيان عبارة عن خروف وبعض من الثياب “حاجة من الحاجة” وحذاء لأم العروس “شربيل” و”بلغة” لأبيها.

 

صغر السن وفراق الأهل وتحمل المسؤولية

 

“ويحتفلون في أجواء تعمها المحبة برقصات شعبية، وأهازيج مغربية أصيلة، والكل يشارك في الحفل والخيمة “الخزانة” التي كانت تنصب كان يساعد فيه الصغير والكبير، والعائلة والجيران، الأواني التي نستخدمها في الطهي وتقديم الوجبات كنا نستعيرها من الجيران والعائلة”، توقفت عن الحكي لبرهة وتابعت بعد زفير وحزن ارتسم على محياها تقول “يا ليت نفس الأجواء ضلت كما الأمس، ابتعدنا اليوم عن بعضنا البعض، كم غيرتنا المظاهر، البارحة كان التلاحم بين كل أفراد المجتمع”.

وتعود الحاجة فاطمة لاسترجاع أجمل ما عاشته في الأعراس “وبعد الانتهاء من حفل العرس “الزغاريت” تمر مدة شهرين، فيأتي العريس و أمه حاملة “الدهاز” العروسة فوق ظهرها، يحتوي مرة أخرى على بعض الثياب و”احمر شفاه وكحل وسواك وقنينة عطر، وبعد يومين يحين وقت رحيل العروس إلى بيت زوجها فتتزين كما فعلت بالمرة الأولى” .

5 دقائق كافية لتزيين العروس والمعدات عكر فاسي وسواك (الأعراس المغربية)

 

كحل سواك

وبضحكة مرتفعة تقول “كانت مدة التزين لا تتعدى عشر دقائق كنا نضع أحمر شفاه وكحل عكر فاسي فالوجنتان، الحركوس في الحاجبان..ونلبس قفطان وفوقه جلباب أبانا، وتنتظر إلى أن يحل المساء، وتأتي سيارة أو شاحنة صغيرة ستقل العروس ويحملون فيه لوازمها، عكس ما يوجد اليوم فالمكياج يستغرق أكتر من ساعة”.

تقول السيدة فاطمة “لازلت أذكر ذلك اليوم بتفاصيله، وتلك المشاعر التي أحساستها، فكنت صغيرة في السن وفكرت كيف سأستطيع الابتعاد عن والداي فلم أستطع أن أكف عن البكاء وعائلتي أيضا أمي وأبي وإخوتي،ثم أتى موعد الرحيل إلى بيت زوجي ولا يرافقني أي أحد من عائلتي وفي الغد جاءت أمي وحدها تحمل معها وجبة من الأرز بالحليب”.

 

تكلف وتفكك والذريعة مواكبة جيل اليوم

في محل كبير زينته معداته من عمارية وألبسة نسائية تجلس السيدة زينب، وهي تشتغل لأكثر من 17 في مجال التنكيف تقول وقد رسمت على محياها ابتسامة باهتة، لقد تغير كل شي ونحن نواكب العصر، وبصوت مرتفع تقول، “الأمهات والعرائس لم يعد يهمهم ثمن أو تكلفة الزفاف فأنا متلا لا يهمني أن أنفق الكثير من المال، في سبيل حفل زفاف ابنتي، فكل فتاة تحلم بهذا اليوم وتستحق ذلك، كما أن بنات جيلها أيضا يقمن بذلك”.

 

“ميكاب أرتيست” يفوق أحيان 6000 درهم لتزين العروس

 

وأردفت المتحدثة التي خط الزمن سنينه على وجه اعتلته التجاعيد بالقول “صحيح أن البارحة كانت الأعراس بسيطة ولكن كل وقت أوقتو ومخصناش نمشيو ضد التيار وإنما معه”، هذه أشياء متعبة ومكلفة، ولكن فالعروس إذا أردت عرسا “كامل ومكمول” فلا بد من أن تبحت عن نكافة تتقن عملها كثيرا، وتتوفر على أحدث التجهيزات والألبسة”، وأضافت أن “أهم شيء هو المكياج، لأن أول ما ينظر إليه الحضور هو وجهها، ثم لباسها وقد يصل المكياج فقط إلى ماقد يفوق 6000 درهم”.

 

تم تأتي مرحلة المصور، ولا يهدأ للعروس بال، إلا بعد أن تناقشه في أدق التفاصيل وعن عدد الصور التي تريدها في كل قفطان ارتدته، وعدد الصور التي يجب أن يتم أخدها للعائلة، والساعات التي سيتم فيها تصوير أجواء الحفل.

 

وتستمر رحلة العروس إلى ممون الحفلات، وتسأل عن الأطعمة التي ترغب في وجودها يوم الحفل، أهي بسيطة أما تتسم بالبذخ وعدد الأطباق ونوع المشروبات والفواكه، ويتفقون على الأثمنة إلى غير ذالك.

 

وتابعت زينب بنوع من الثقة “داكشي قدام لي كانو ناس زمان كيعرفوه…فاليوم على الفتاة ان تحتفل بليلة الحناء أيضا، وبطقوسها فالعروس لابد لها من أن ترتدي قفطانا بلون اخضر، في غالب الأحيان ومزين بأحجار كبيرة وصغيرة، ولابد أن تضع مكياج يبرز جمالها، وأن تختار نقاشة فنانة في وضع الحناء، وتفرح وصديقاتها وبعض من أفراد العائلة ليرحل الجميع عند نهاية ليلة الحناء”.

 

“ثم يأتي اليوم الموعود فتذهب العروس للتزين مع أحد أفراد عائلتها عند النكافة، وعند الإنتهاء يأتي العريس لأخذها لحفل الزفاف، وتلج مكان الحفل على بزغاريد مرتفعة، تصدح بها حناجر النكافات وتحمل في العمارية التي يحملها ستة أشخاص وتستمر أجواء الحفل إلى النهاية”.

 

عبارة “عرس” هي ما تبقى من موروث أمس

واعتبرت النكافة زينب “أنا لا أنكر أن الأعراس المغربية تغير فيها كل شيء، ولعل الشيء الذي مازال مشتركا فيها هو كلمة عرس واحتفال فقط أما العادات القديمة قادرا مانصادف أحدها..فبحكم أنا أشتغل في هذا المجال فأتأسف جدا على حال الكثير من العائلات اللائي يقمن بأخد قروض من أجل حفلات الزفاف هاته..متسائلة أسيدي معندكش لفلوس لاش كتكلف على راسك؟”.

وكشفت النكافة جانبا آخرا من كواليس حفل الزفاف متحدثة عن “ناهيك عن الخصومات تحدث بين أفراد العائلة، والتي قد تعكر صفو الجو وتستمر إلى مابعد الزفاف، بل إني كنت شاهدة على العديد من النزاعات بين أفراد العائلة نفسهم، وتجد أم العروس وبعض من أخواتها هن الوحيدات اللواتي يتكبدن الأشغال المرتبطة بليلة الزفاف، وكل ماتبقى يريد الجلوس مع العروس”.

 

 

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع