رضا الفلاح: تركيا، رائحة غاز شرق المتوسط والأطماع اتجاه ليبيا

عبّر معنا كتب في 3 يناير، 2020 - 11:06 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

بقلم رضا الفلاح

من أجل فهم التحرك التركي اتجاه ليبيا و قرار إرسال قواتها أو مرتزقتها إلى ساحة المعركة و دعم حكومة الوفاق الوطني، يجب في البداية القيام بقراءة الوضع على أرض الميدان و قياس مدى الشرعية التي يتمتع بها كل طرف في النزاع . الحكومة التي يرأسها فايز السراج تملك شرعية أممية لكنها بعيدة كل البعد عن الوفاق و عن الشرعية الشعبية و لا تحظى بدعم دولي واسع و فعلي باستثناء الأموال التي تتلقاها من قطر و العتاد العسكري من تركيا. على الساحة، لا تسيطر حكومة الوفاق سوى على مدن طرابلس و مصراتة في حين يبسط الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال حفتر سيطرته على معظم التراب الليبي بمساعدة فرق و ميليشيات مسلحة كما يلقى مساندة من قبل قبائل الشرق الليبي و تدعمه و تموله قوى أجنبية و في مقدمتها روسيا و الإمارات العربية المتحدة و السعودية و مصر.

 

تركيا تعتبر أن لديها مصالح في ليبيا و تطمح إلى فرض الأمر الواقع بهذا التدخل المباشر لصالح أحد أطراف النزاع. التفسيرات التي قد تقربنا من فهم التحرك التركي تتوزع على عدة مستويات:
على المستوى الجيواقتصادي، يحتدم الصراع بين دول شرق المتوسط بشأن استغلال الاكتشافات الهائلة للغاز الطبيعي، و تتطلع تركيا إلى بسط هيمنتها على منطقة شرق المتوسط عن طريق اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج مع العلم أن هذا الاتفاق يتعارض مع مقتضيات القانون الدولي للبحار بالإضافة إلى أن تنفيذه الفعلي محفوف بالمخاطر لأنه يضع تركيا في مواجهة مباشرة مع كل دول المنطقة. و يحق التساؤل هنا إن كانت تركيا تغامر بانتهاج سياسة القوة الخشنة و بالمراهنة على حكومة الوفاق الوطني الليبية. لكن من جهة أخرى، فهل كان أمام تركيا خيار آخر خاصة بعد استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط الذي أسسته اليونان و قبرص و مصر و إسرائيل، و في سياق الاتفاق على إنشاء أنبوب للغاز الطبيعي EastMed Pipeline و الذي يصل اليونان بالاتحاد الأوروبي عبر قبرص و إيطاليا.

 

على الصعيد السياسي، فالاستراتيجية التركية هنا واضحة و تعتمد على كل الوسائل العسكرية من نقل للسلاح و تزويد الميليشيات المسلحة التي تواجه قوات الجنرال حفتر و الجماعات التي تقاتل إلى جانبه بالعتاد الحربي و إرسال شتى أنواع المرتزقة إلى ليبيا. تأمل تركيا من خلال هذا النهج العنيف، و هي تدري حتما استحالة الحسم العسكري، إلى التموقع كلاعب أساسي في المسار السياسي الأممي لحل النزاع من أجل الحفاظ على مصالحها في مرحلة ما بعد تدمير ليبيا.

 

إن المصالح التركية في ليبيا تندرج بشكل فج في خانة الأطماع الخارجية التي لا يمكنها الاختباء وراء مبادئ إنسانية أو تسويغها وفقا لرواية الشرعية الدولية، و هي بالتالي تنضبط بشكل صريح ببراغماتية استعراض القوة. و تشكل الثروات النفطية الليبية محط أطماع تركيا نظرا للعجز التجاري الهيكلي الذي تعانيه تركيا جراء التبعية الطاقية، و نظرا لحاجيات الاقتصاد التركي إلى البترول الليبي بحكم جودته العالية و ضعف كلفة استغلاله.

 

إن خيار التدخل العسكري التركي في ليبيا هو استمرار لسياسة تدخلية سابقة بدعم مالي قوي من قطر و يؤشر على دخول حرب الوكالة بليبيا إلى مرحلة اقتتال أهلي تغذيه ميليشيات المرتزقة و مقاولات الحرب الخاصة من كل جانب. من هذا المنطلق، يمكننا اعتبار التحرك التركي بمثابة خطوة محسوبة من أجل فرض شروطها و تحقيق مكاسبها من خلال التسوية السياسية التي ستتلو مرحلة الاقتتال الداخلي. و من المؤكد أنها تدري مسبقا أن الطرف الذي تراهن عليه ضعيف و لن يقوى على تحقيق انتصارات ميدانية، لكنها لا تريد أن تجد نفسها خارج دائرة المساومات و الصفقات و توزيع الغنائم بعد أن اتضحت قدرة الجيش الليبي و مناصريه على حسم المعركة و دخول طرابلس و مصراتة. يبدو أن الأهم بالنسبة لتركيا ليس هو تحقيق نصر عسكري يبقى شبه مستحيل في كل الأحوال، و إنما هو التموقع على مائدة تقسيم الكعكة الليبية من امتيازات الاستفادة من النفط الليبي، و من عقود إعادة الإعمار خاصة في سياق تداعيات الأزمة الاقتصادية و انخفاض سعر العملة، و تراجع أرباح الشركات التركية.
إن تصويت البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا هو تحصيل حاصل و قد جاء فقط للعب دور غطاء الشرعنة الداخلية لقرار تنفيذي نابع من المؤسسة العسكرية و من رئاسة تركيا، و في نفس الوقت لحشد إجماع وطني لصالح التوجهات القومية لحزب العدالة و التنمية.

 

و مما عجل باتخاذ هذا القرار عدم معارضته من قبل أمريكا التي تنهج سياسة الانسحاب من البؤر الساخنة في المنطقة و تفضل بدل ذلك دفع القوى الإقليمية إلى استنزاف طاقاتها في حروب داخلية طالما تمسك بالأوراق الضاغطة و تستطيع استعمالها متى و كيف شاءت. و مما لا شك فيه أن تركيا توصلت إلى تفاهم تكتيكي مع روسيا من أجل تجنب الصدام المباشر على الأرض أو السماء الليبية، علما أن ردة فعل روسيا كانت محتشمة و كأنها كانت تتوقع التحرك التركي، و هذا ما يرجح فرضية التفاهم الروسي التركي بالرغم من دعمهما لأطراف متصارعة. و ما يشجع تركيا على تنفيذ مخططها هو أيضا الضعف و الانقسام العربي و المغاربي، و هذا ما جعل الرئيس التركي يتوجه إلى تونس و يدعوها هي و الجزائر إلى اجتماع برلين الأممي المخصص للشأن الليبي و كأنه متيقن من دعم البلدين لمغامرته الليبية. هذه الزيارة و الإعلان المرافق لها و بعض التفاصيل الأخرى تكشف عن العقلية العثمانية الجديدة التي قد تصطدم بتعقيدات المجال الليبي، و بخطط الدول الأكثر تضررا من التحرك التركي و على رأسها روسيا و مصر و اليونان و الإمارات.

 

إثر هذه التطورات، يبدو الوضع في ليبيا مفتوحا على أسوأ سيناريوهات الحرب الأهلية الشاملة مع ما قد ينجم عنها من ارتفاع كبير في عدد الضحايا المدنيين و اللاجئين و التسبب في نزوح جماعي للسكان. إقليميا، سيقوي هذا الوضع من شبح المخاطر الأمنية الذي يخيم على منطقة المغرب الكبير و الصحراء و الساحل.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع