احتجاجات الحسيمة.. رفض الحوار واقتحام المسجد محطات مفصلية في تأزيم الوضع والنتيجة ..

الأولى كتب في 13 مارس، 2020 - 07:40 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

*جمال أرناط: باحث أكاديمي في إدارة المرافق العمومية.

 

من خلال السرد الكرنولوجي للأحداث الذي اعتمده المجلس الوطني لحقوق للإنسان في تقريره حول احتجاجات الحسيمة، والتي تمَّ استيفاءها من عشرات الشهادات وتتبع مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بالأحداث، يمكن الجزم بأن هناك وقائع مفصلية في سيرورة وتطور هذه الأحداث ونهاياتها التي آلت إليها، بعضها لو حدثت لغيرت مجرى الأمور للأفضل، وأخرى لو لم تحدث لكان الوضع غير ما نراه اليوم.

 

 

من اللحظات المفصلية التي لو تم استغلالها لانتهى الأمر إلى ما فيه خير للجميع، وهي حينما كانت الاحتجاجات ما تزال محافظة على سلميتها ومطالب المحتجين شرعية، في مجملها ذات صلة بقضايا اقتصادية واجتماعية، -هي ذاتها في العديد من أنحاء المغرب-، ومن أجلها انتقلت لجنة سياسية ومدنية للحسيمة للاجتماع بالمحتجين والاستماع إليهم، ولو أن هذا الأمر تأخر قليلا حسب التقرير، لكن المحتجين بدورهم أبدوا رفضا غير مفهوم للحوار لأسباب مختلفة، منها تنازع القيادات وموقفهم من الحوار وعدم تنظيمهم لمطالبهم التي جاءت متصاعدة ودون تراتبية دون التمعن في مدى قابليتها للتطبيق والانجاز، حسب التقرير، وهو الأمر الذي حول الاحتجاج من أجل الاحتجاج فقط، وجعل النعرات الفردية وإرث المظلومية يطغى على لغة العقل والبرغماتية، بل إن من المطالب من لم يكن له أساس ، مثل مطلب رفع “ظهير العسكرة” الذي أثبت التقرير ألاَّ أساس له من الصحة وأنه مجرد تلكؤ لإفشال الحوار واستدامة الاحتجاجات.

 

 

فما الضير لو وافق المحتجون على الحوار مع اللجان المختصة التي أبدت استعدادا لإنجاز المشاريع المعطلة ومحاسبة المسؤولين المتورطين في فشلها، ولم يركب فريق ناصر الزفزافي ورفاقه رؤوسهم في ظل التعاطف الشعبي التي اكتسبته الاحتجاجات في مرحلتها السلمية، ولم يتهجموا على الهيئات السياسية وينعتوهم بأقبح النعوت، بل سجل التقرير أن المحتجون حاصروا مروحية وزراء ومسؤولين بمنطقة إساكن ومنعوها من الإقلاع ورشقوها بالحجارة، وهو تجاوز خطير.

 

 

لحظة فارقة في سيرورة احتجاجات الحسيمة لو أحسن المعنيون بالأمر التعامل معها ولم يختاروا التصعيد المجاني ولغة الحجارة والتكسير، لتحققت مطالب عديدة للمدينة، لكنه كما يبدو أن عشوائية الاحتجاجات وتدخلات خفية لتوجيهها نحو التصعيد من خلال تجييش بعض الأشخاص المجهولين الذين سماهم التقرير ب”الملثمين” واستغلال بعض الرموز في غير محلها، أدى بالأحداث إلى النهاية التي هي عليه الآن.

 

 

ومن الأحداث التي لو لم تقع لكانت النتائج غير ما انتهت عليه، خصوصا سجن ناصر الزفزافي، والأمر يتعلق باقتحام هذا الأخير للمسجد وتوقيف خطبة الإمام، وهو ما اعتبره التقرير خرقا لحرية العبادة وحماية فضائها، واستنتجت أن هذا التصرف خرق لحرية العبادة، واعتمد المجلس في استنتاجه على حالات مماثلة في دول أجنبية مثل روسيا وفرنسا، قام فيها أشخاص باقتحام دور العبادة بنفس الطريقة، فتمت متابعتهم قضائيا وإدانتهم، بل حتى أن المحكمة الأوربية أيدت هذا الاتجاه واعتبرت الأمر مسا بحرمة مكان للعبادة ولحرية المتعبدين داخله، مؤكدة على ضرورة أخد مسافة كافية بين فضاء الصلاة وفضاء التظاهر.

 

 

وبعيدا عن القضاء المقارن الذي اتخذ نفس الموقف، فتصرف ناصر الزفزافي كان بمثابة عنترية فارغة ومجانية تفتقد لروح المسؤولية ولا حتى لفطنة ونباهة الزعماء، إذا افترضنا جدلا أنه زعيم الاحتجاجات، فكيف له أن يقوم بتصرف أهوج وهو يعلم مكانة المسجد بالنسبة للمسلمين حتى ولو اختلف معهم في الرأي، كما أن مناسبة صلاة الجمعة مقدسة ولها طقوسها التي يحترمها الجميع، وعليه كفرد من المسلمين أن يحترمها حتى ولو لم تعجبه مضامين الخطبة، وإلا فالأنسب له أن يغادر المسجد بهدوء ويناقش أفكاره بعيدا عن حرمة المسجد.

 

 

سيرورة الأحداث التي عرفها إقليم الحسيمة منذ وفاة المرحوم محسن فكري إلى اندلاع الاحتجاجات ذات الطابع السلمي للمطالبة بتحقيق أمور اقتصادية واجتماعية وثقافية، ثم تحولها إلى منحى عنيف، وانتهاءا بمحاكمة المعتقلين على خلفية هذه الاحتجاجات، وكل ما راج إبان هذه الفترة العصيبة على الجميع، وتقاذف الاتهامات عن أسباب التأجيج، كل ذلك كان بالإمكان تفاديه لو استخدم العقل لاستشراف غد أفضل للمغرب بأسره وليس للحسيمة فقط، لأنه ليس الوحيد الذي يعاني التهميش ويطالب سكانه بمطالب اقتصادية واجتماعية لتحسين سبل العيش الكريم.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع