إدريس هاني: بنكيران يحاول العودة إلى الواجهة والحزب يعيش مرحلة ما قبل التشظي

الأولى كتب في 15 يناير، 2019 - 20:22 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

صفاء بالي ـ عبّــر

 

أثارت خرجة عبد الإله بنكيران الأخيرة زاوية جديدة لقراءة مسار رجل سياسي ومسار حزب لطالما قدم نفسه أنه حزب “إسلامي”، ولعل موقفه الأخيرة من خلع قيادية في حزبه للحجاب في ساحات باريس، وتلفظه بـ”أنا ماشي شغلي” يحمل دلالات وقف عندها المفكر المغربي إدريس هاني، واعتبر أن بنكيران  بهذه الخرجة يرمي ببصره إلى المستقبل وتحديدا على الانتخابات القادمة لذا فهو يشرح بما فيه الكفاية موقفه الشخصي تجاه عدد من القضايا التي تؤرّق الرأي العام، بل في هذه الخرجة هو يقدم نفسه بوصفه الضمانة الفكرية والدينية التي تجعل من حزب العدالة حزبا إسلاميّا بلا شوارب وذلك حين قال:” أنا ماشي شغلي”.

 

ودقق المفكر هاني من زاوية نظره بالعبارة حسب تدوينة فايسبوكية له مشيرا فيها إلى “أن المفارقة هنا واضحة، كيف تلتقي عبارة “ماشي شغلي” مع الحرص على ما يسميه في كلّ خرجاته بالدّعوة؟..وما المغزى من الإبقاء على حركة دعوية إن كان الأمر يدخل في عبارة “ما شي شغلي”؟ إنها عبارة تعطينا فكرة عن “لا مساس” وهي وضعية السامري التي قلنا مرارا ستكون هي قدر حزب هارب من ماضيه السّلفي ولكنه عاجز عن الحسم، لأنّ قيمته المضافة في لعبة السياسة والانتخابات هو الاستثمار في قوالب الدعوة..لقد كان بنكيران خلال سنوات وهو يردد الحديث المعروف:” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” لكنه اليوم يقول لجماعته:”أنا ماشي شغلي”..

 

واعتبر هاني خرجة بنكيران كذلك محاولة منه لتغليط كل ما قيل حول الحزب هو يخرج باعتباره المعني ببقاء هذا الحزب على الرغم من أنه استنفذ أغراضه، وفي خطاب تناقضي يرسم ملامح ملائكية لأتباعه مسبقا..وحين يقع أحد من أتباعه في مأزق يهزّ من مصداقية الحزب يحيل الرأي العام إلى العرف المغربي، غير أنّه إن كان المدار في تأسيس حزب وحركة دعوية هو الشريعة فلم الهروب إلى العرف عند كل نازلة يتورط فيها الحزب والحركة؟ إن بنكيران الذي يجهل فلسفة الأحكام وروح الفقه يبدو شاردا بين مرجعية الشرع ومرجعية العرف في حاق التوافق أو الافتراق.

 

وأعرب هاني عن استغرابه من خرجة بنكيران “ما أثارني حقّا في خرجة عبد الإله بنكيران ليس هو الدفاع عن سيدة قيادية في حزبه أثير حول نزعها لحجابها في إحدى ساحات باريس جدل واسع في الصحافة، فمن خلال تتبعي لمساره فهو يتميز عن نظرائه في ذات التنظيم بوفائه لأتباعه في الحقّ والباطل..وهو أكثر وضوحا بما يتيح فهم حتى رسائله المشفّرة من دون عناء في التأويل..وثمة ما يجب أن نفهمه من هذه الخرجة وما يجب أن ننتقده أيضا”.

 

وانعرج هاني للتذكير بأن بنكيران كان دائما هو صمام أمان هذا التنظيم سواء في شقّه الدعوي أو السياسي بينما القيادات الأخرى لم تفعل خلال كل هذا المسار سوى أن اختبأت وراءه إلى حين..الإحساس العميق بخيبة الأمل عند بن كيران لم يخفف عنه مروره من الحكومة وهو غاية لم تكن لترد عليه حتى في الخيال، لكن خيبة الأمل كما وصفتها بعد مجيء العثماني هو الشعور بجريمة قتل الأب.

 

وأضاف المفكر المغربي أن بنكيران يسعى للعودة إلى المشهد السياسي وهو يستغل كل حادثة للتأكيد على حضوره وفي الوقت نفسه يوزع رسائله يمينا وشمالا..إنّ الأب هنا يتمثّل دور الفينيق الخارج من تحت الرماد ويستعد لما بعد العثماني ولا ينتظر الوقت لكي تتراكم الفضائح حول حزب يحاول أن يظهر بالتماسك حتى أنّه وصف من تقوّل في القيادية المذكورة بالنذالة..وهو حزب يستعد للمستقل حتى أنّه يستعد لنقل مقره المركزي من حيّ الليمون إلى حي الرياض بالعاصمة الرباط تبلغ تكلفته 3 ملايير و400 مليون سنتيم على مساحة 2400 متر مربع..إنه لم يضرب حساب العودة إلى المعارضة منذ قال المغراوي لبنكيران بأنكم لن تخرجوا منها حتى يوم القيامة.

 

واسترسل هاني في تدوينته في فك دلالات الخرجة الأخيرة لبنكيران معتبرا ذلك “يحاول بنكيران أن يرمي بذات الرمانة المتفجرة في وجه خصومه، فإن كان قد وجد في قضية خلع حجاب إحدى قياديي حزبه قضية شخصية وعادية _ وهو ما يخالف نمط الخطاب الدعوي للجماعة إياها منذ سنوات _ فهو يعتبر ذلك من الحريات الشخصية ويرسل خطابا جديدا يستهدف الناخب القادم..إنّ المدرك الفقهي الذي ينطلق منه بنكيران ليس الدين وثوابت الدعوة بل اللعبة الانتخابية، فهي تبرر له أي بوح وأي رأي باعتبار أنّ السياسة هي الحاكمة على الدين في منظومتهم الخاصة.

 

واستخلص هاني أن بنكيران وقع نتيجة نزعته النفعية في تناقضات بل ومحاذير خطيرة، أشار فيها المفكر إلى أن بنكيران استند إلى مغالطة السلطة كما يعرفها المنطقي حين ارتقى بالنائبة إياها إلى مصاف نبيلة منيب، وهو قياس غريب واختزالي، لكي يقنع الرأي العام بأنّ من تربّص بالنائبة إنما تحرش بها لأنها شخصية كاريزمية كبيرة..لذا هو يدعو إلى ملاحقة من أخذ تلك الصور ومحاكمته بينما ما يظهر واضحا هو أن الصور كانت مأخوذة في وضعية رضى وليس إكراه..وعليه، يبقى السؤال: إذا كان الأمر شخصيا ولا يتطلب كل هذه الهمروجة فلم الخرجات والدعوة لمحاكمة من التقط الصور؟ لقد حرص بنكيران مرارا على التأكيد أنها لم تطلب منه أن يقوم بالدفاع عنها، ولكنه فعل..لا أريد أن أتحدث عن أمر شخصي، لكن ما الذي فعلته النائبة سوى المثل: إن كان رب البيت بالدف مولعا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص..ولقد كان بنكيران مولعا بالدّفّ.

 

وأوضح إدريس هاني أنه “لا شكّ أن الأمر يتعلق بوضع شخصي غير أنّ من حاكم النائبة حاكمها وفقا للقاعدة الفقهية الكبرى:”الزموهم بما ألزموا به أنفسهم”..وهذا طبيعي في الحجاج العلمي والأخلاقي والديني، وهكذا بدا بنكيران في وضعية تبرير اقتضى أن يهزّ فيه ثوابت منظومته الدعوية للدفاع عن نائبة..لقد استند أيضا على مغالطة قياس إبليس في اعتبار أن وضعية النائبة تشبه وضعية النبيّ إبراهيم وهي ليست المرة الأولى التي يصف بها بنكيران أصحابه بالأنبياء والأولوياء حتى حينما يكونون في حالة مروق”.

 

وأضاف المفكر أن بنكيران “حاول أن يتحدث عن الفرق بين الحرمة والمنع في قضايا لا تتحمل هذا التقسيم، فلقد تبين أنّ كل محاولات الفصل بين السياسي والدعوي هو تكتيك كان حتما سيوقعهم في ورطة ذات يوم، ويبدو في هذه النازلة قد تبين أنّ الفصل المذكور ليست له أرضية حقيقية وبأنهم يمارسون السياسة بنوع من التدليس..يبقى أن نسأل بنكيران وهو يحاول أن يسدّ كل ثغرات حزب يتجه نحو التّشظّي: ما هي النازلة التي لا نطبّق فيها القاعدة المقاصدية الأثيرة عند بن كيران والتي يسميها “ماشي شغلي””.

 

لقد تبيّن أن الإفلاس وارد في تدبير الدعوة والسياسة معا، ولم يبق لهذا التنظيم السياسي سوى الإعتماد على التمكين المادي بناء على حضوره في الجماعات والحكومة، أي الكسب بالسياسة، مع أن بنكيران حاول أن يؤكد بأن الأمر يتطلب بقاء 7 سنوات ليستطيع أن يغير من وضعه بينما رأينا أنهم غيروا من أوضاعهم المالية في الشهور الأولى من أول سنة لهم في التسيير الحكومي..إنّ الإنجاز الأهم في هذه التجربة هو التحول الفلكي من جماعة حرافيش إلى بالونات مالية حتى لا أقول بارونات.

 

وأضاف هاني “لن ينفع بنكيران وأصحابه خطاب المظلومية..ومن يا ترى يستهدفهم وهم كلّ منهم في منصبه يسيطرون على الحكومة والبرلمان والمجالس الجماعية والمديريات؟..أمام تساقط أوراق العدالة والتنمية في خريف المحاسبة السياسية لن يكون لهم سوى الهروب وإحاطة أنفسهم بملحمة من التبرير ليس الرأي العام مجبورا على القبول بها.

 

وختم هاني بالقول “إن خرجات بنكيران ما هي إلاّ محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لحزب يعيش اللحظات القصوى التي تسبق حالة التشظّي، واستشهد هاني بمقولة الراحل عبد الكريم الخطيب عنهم: دع القرد يتسلق الشجرة حيث هناك فقط نستطيع أن ترى عورته(أو كما قال)”.

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع