إجماع وطني على الفقيد “عبد الرحمان اليوسفي” بسبب مواقفه ومبادئه

الأولى كتب في 29 مايو، 2020 - 22:59 تابعوا عبر على Aabbir
الملك محمد السادس
عبّر

خالد أنبيري-عبّر

 

 

من سوء حظنا نحن جيل أواخر الثمانينات وبداية التسعينيات أننا صادفنا المراحل الأخيرة للمسار السياسي للراحل “عبد الرحمان اليوسفي” فقط، لم يكن من نصيبنا أن نعيش المحطات النضالية التي طبعت مسار رجل نوه به ملك البلاد في العديد من المرات وفي مجموعة من المناسبات، بل أن الرجل كان يحظى باحترام كبار ساسيي العالم، هذا الإحترام الذي فرضه على الجميع بمواقفه ومبادئه الثابتة والتي لم يتخلى عنها قط كما فعل مجموعة من الساسة في وقتنا الحالي.

 

إن معظم الشهادات التي أدلى بها رفاق درب الراحل اليوسفي وكذا رفاقه في الحزب وحتى من كانوا يتعارضون مع أفكاره والإديولوجيات التي تبناها، بعد موته، كانت كلها تصب في اتجاه واحد، بأن الرجل ذو مواقف ومبادئ عاش ومات عليها، رجل يتميز بحس وطني من رجالات هذه الدولة الذين وهبوا حياتهم لخدمة هذا الوطن ابان فترة الإستعمار (نظام الحماية) وبعدها، ناضل ضد المستعمر انذاك واستمر في نضاله حتى بعد طرد هذا المستعمر من أجل تتمة العمل الذي بدأه من سبقوه من رجالات الدولة الذين ضحوا من أجل هذا الوطن.

 

ولعل أبرز الشهادات في حق الراحل عبد الرحمان اليوسفي، تلك التي جاءت في الرسالة الملكية التي وجهها عاهل البلاد لزوجته “هيلين اليوسفي” جاء فيها: “وإننا ونحن نستشعر مدى فداحة هذا الرزء، لنذكر للفقيد الكبير، انخراطه المبكر في مقاومة الاستعمار، ونذر حياته للدفاع عن القضايا المصيرية لبلده، في تشبث بقيم النزاهة والأمانة والتواضع ونكران الذات وحب الوطن؛ تلكم القيم التي ظلت نبراسه المنير في مختلف المهام التي تقلدها بكل كفاءة واقتدار، ولا سيما منها، منصب الوزير الأول في حكومة التناوب في عهد والدنا المنعم جلالة المغفور له، الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، ثم في عهد جلالتنا، في محطة تاريخية من مسار ترسيخ خيارنا الديمقراطي، حيث كان، أكرم الله مثواه، نعم رجل الدولة الحكيم والمحنك”.

 

وقد اعتزل الراحل، العمل السياسي والحزبي مباشرة بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2002، بعدما تم تعيين أنذاك التكنوقراطي ادريس جطو كوزير أول، حيث استقال من مسؤولية قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي تولى منصب كاتبه العام منذ وفاة رفيق دربه الراحل عبد الرحيم بوعبيد، مفضلا الإبتعاد عن العمل السياسي والحزبي في صمت ودون ضجيج، واضعا مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، مما زاد من احترام الجميع له بسبب تباثه على مواقفه ومبادئه التي دخل بها السياسة والعمل الحزبي، حيث لم يخرج أنذاك بأي تصريح للصحافة للحديث عن الأسباب التي دفعته لاتخاد هذا القرار  إلا بعد مرور حوالي سنة، بعدما قام بكتابة رسالة من مدينة بروكسيل كشف فيها عن تقييمه لمرحلة التناوب التوافقي واسباب اعتزاله العمل السياسي والحزبي، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالحياة السياسية بالمغرب.

 

ومن بين أهم ما جاء في هذه الرسالة، هو حديثه عن الإنتخابات التشريعية التي جرت يوم 27 شتنبر 2002 والتي قال عنها الراحل، بأنه كان منتظرا منها أن تفلح في تسوية مشكل جوهري وأساسي بالنسبة لتاريخ المغرب المعاصر ألا وهو: هل تجربة التناوب التوافقي التي عاشها المغرب منذ 1998 طيلة خمس سنوات (قرابة نصف هذه المدة انقضى في عهد الحسن الثاني والنصف الأكبر في عهد محمد السادس )، هل هذه التجربة ستفضي إلى تجربة أخرى أسمى منها وأكثر تقدما بمعنى أنها ستفضي إلى ” التناوب الديموقراطي” أم أنها ستخيب الامال التي عقدت عليها في المغرب وفي الخارج على حد سواء.

 

ومما جاء فيها أيضا، قوله ” إن العرض الذي قدمناه حول مشكلة التناوب منذ استقلال المغرب سنة 1956 الى حدود أيامنا هذه يوضح بجلاء أن المشكل يتعلق في الحقيقة بالتحدي المطروح على أغلبية دول العالم الثالث أي مشكل “التناوب الديموقراطي” وهذه التجربة تعني انتقال السلطة من أيدي مالكها إلى أيدي قوة أخرى يفرزها التعبير الديموقراطي الحر  وهو ما يعني ضرورة التمييز بين شيئين اثنين في الديموقراطية المعنى الحرفي للديمقراطية والحريات الديمقراطية”.

 

وختم الراحل رسالته قائلا ” لقد كان قبولنا بقيادة تجربة التناوب مخاطرة أخدنا فيها في الحسبان المصلحة الوطنية وليس المصلحة الحزبية، واليوم وقد انتهت هذه التجربة بدون أن تفضي إلى ما كنا ننتظره منها، بمعنى التوجه نحو الديموقراطية عبر خطوات تاريخية إلى الأمام ،التي ستشكل قطيعة مع ممارسات الماضي، فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام متطلب وطني يلزمنا بالإنتظار سنتين على أمل أن نرى إمكانية تحقق الحلم في انتقال هادئ وسلس نحو الديموقراطية، ونتمنى أن لا نفقد في المستقبل القريب ملكة الحلم والقدرة عليه”.

 

رحل عنا إذن رجل طبع مساره النضالي في ذاكرة المغاربة الذين عاشوا معه وحتى الذين قرأوا عن تاريخه ونضالاته، في وقت كانت جنازته لتكون من أكبر الجنازات التي شهدها المغرب لولا جائحة كورونا والإجراءات الوقائية المفروضة من طرف الجهات المختصة لحماية المغاربة، لكن كل هذا لم يمنع من التعبير عن الحزن العميق الذي خلفه رحيل الفقيد في نفوس الجميع، بسبب ما قدمه لوطنه من تضحيات جسام في وقت كانت فيه الأوضاع الحقوقية ببلدنا مختلفة لما هي عليه الأن، رحمة الله على فقيد هذا الوطن.

 

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع