لماذا هذا التطرف في مقاومة الحجاب؟

عبّر معنا كتب في 28 نوفمبر، 2018 - 20:36 تابعوا عبر على Aabbir
عبّر

 

 

مصطفى طه

 

تتعمد النخب الفكرية التقدمية و الحداثية، ان تعطي تفسيرات موغلة في السلبية و النقد، لظاهرة الحجاب عند المراة في المغرب، من خلال تبريرها مقاومتها و محاربتها الشرسة لهذه الافة، و لم يكن مفهوما الاكثار في المبالغة لتصوير هذا المبدأ، و ذلك من اجل الدفاع عن سلوكيات التبرج و السياسة التي تعاملت بها تلك النخب، تبين و كأنها تخوض صراعا داخل حلبة، تحتاج منها استعمال اقوى ما لديها من الاسلحة و الامكانيات و التقنيات الحربية، فتارة تصف حجاب المرأة بأنه ظاهرة متخلفة و ضد التطور و التحضر، و تارة اخرى تصفه بالرجعية و الظلامية، و تارة تصوره رغبة الرجال في استعباد و استملاك المراة مع شل دورها و كبح طاقاتها.

 

هذه المعركة، بدات خلال القرن العشرين حول سلوك الحجاب لم تتوقف او تتراجع لحد الان، في اواخر هذا القرن و بداية القرن الواحد و العشرون، كان الاندفاع و التشبت بالتقاليد الغربية، من طرف الشابات المغربيات، بدات تتزايد دعوات تحرير المرأة، و المناخ العام الذي كان بالتاكيد مشجعا على هذه الأفعال، في المقابل عبرت الفعاليات الدينية تخوفاتها الشديدة من تلك الافة الدخيلة على المجتمع المغربي، جعلها في موقف الدفاع عن الذات، مما يعطي تحليلا للمنهجية المتشددة، التي تعاملت بها اتجاه المراة، مما جعل البعض يتحفظ حتى على تعليمها، بسبب ما قدمته النخب الحداثية من علاقة التعلم بالتحرير و التمدن بالسفور. حاليا انقلبت صورة سلوك الظاهرة، فاصبحت رقعة ارتداء الحجاب تتوسع و تتمدد، و يتكاثر الاقتناع به عند مختلف الطبقات المجتمعية، فلم يعد يصنف في خانة الفئات الفقيرة دون الفئات الثرية، او دراسيا على الفئات الغير المتعلمة، او تمدنا على الفئات البدوية دون الفئات الحضرية.

 

اليوم الحجاب لم يعد و لم يكن حاجزا امام تعليم المراة المغربية على جميع المستويات، و لا عائقا امامها في مجالات العمل، و المشاركة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية، فقد اصبح الحجاب سلوكا مالوفا، داخل المرافق الحياتية في المجتمع. فالمحجبات المغربيات، غزون كل الميادين تقريبا، و اعتمدن مهنا و انماط حياة جديدة، هذه الايجابيات، يود الحداثيون تجاهلها، هنا اريد ان اطرح عدة اسئلة، لماذا هذا التشدد و الغلو في محاربة الحجاب؟ و اين حرية الراي و التعبير و الحرية الشخصية، التي باسمها يدافعون عن حقوق المراة؟ و لماذا يبلع هؤلاء السنتهم داخل افواههم، اذا تعلق الامر بامراة تدافع عن حقها في التعلم، اذا حرمت منه بسبب الحجاب داخل المجتمعات الغربية؟ هم يتهافتون فقط، الدفاع عن القيم العلمانية.

 

الحداثيون المغاربة، يجب ان يقتادوا بالكاتب المصري الكبير “قاسم امين”، الذي لم يكن ضد الحجاب، و الدليل ان في مضمون كتابه “تحرير المراة” كان صريحا و هو يقول، “ربما يتوهم ناظر انني ارى الان رفع الحجاب بالمرة، لكن الحقيقة غير ذلك، فانني لا ازال ادافع عن الحجاب، و اعتبره اصلا من اصول الاداب التي يلزم التمسك بها غير اني اطلب ان يكون منطبقا على ما جاء في الشريعة الاسلامية” من جهة اخرى انتقد النساء الغربيات، بقوله، “و الذي اراه في هذا الموضوع هو ان الغربيين قد غلوا في اباحة التكشف للنساء الى درجة يصعب معها ات تتصون المراة في التعرض لمثارات الشهوة، و لا ترضاه عاطفة الحياء”. فهذا الكاتب انتقد حجب المراة اي عزلها و منعها عن اكتساب العلم و المعرفة و المشاركة في الحياة العامة.

 

نستنتج، ان النخب الحداثية في المغرب تشكلت لديها مفاهيم من خلال ملاحظاتها و تجربتها، ليست بالضرورة تؤكد على يقين تلك التفسيرات و صحتها، بقدر ما تبرهن على ضرورة مراجعتها و اعادة النظر فيها، و الافكار التي بدات منها النخب المذكورة بهجوم و بحماسة زائدة، يجب ان تستوعب ان التصميم المرجعي الغربي لم يعد قادر على النهوض بالمراة و تحريرها، بل العكس بعد ان اتبث الاطار المرجعي الاسلامي استطاعته و قدرته ليس فقط الدفع بالمراة و تنمية اوضاعها الاجتماعية و الاقتصادية، و انما بحمايتها و الدفاع عنها، و ليس بالتقليد و الانقلاب على الهوية، و انما بالتشبت بالتقاليد و العادات و الهوية و الاصالة المغربية العريقة.

 

فتحرير المرأة ليس بخلع الحجاب، و التحضر ليس سببه السفور و المجون، فهذه معطيات غبية و تضليلية. فاشكاليات الحداثيين، انهم قاموا بعمل و جهد كبيرين، للاطلاع و معرفة الفكر الغربي في جانبه القانوني و التشريعي و النظري و الفلسفي، في المقابل، لم يهتموا و لم يكلفوا انفسهم، معرفة الاطار المرجعي الاسلامي، من خلال تشريعاته و قواعده و اصوله و نظرياته و فلسفاته، و هذا ما يجب ان يقترب منه، و يلمسه هؤلاء الحداثيون، ليدركوا الحقيقة بتبصر و وعي كامل و ايجابي.

تابعنا على قناة عبّر على الواتساب من هنا
تابع عبّر على غوغل نيوز من هنا

اترك هنا تعليقك على الموضوع