حادثة الطفلة غيثة بدار بوعزة.. حين تدهس عجلات الرفاهية براءة الطفولة وتُسائل العدالة

تحولت لحظات اللعب البريئة على رمال شاطئ دار بوعزة إلى فاجعة إنسانية تقشعر لها الأبدان، حين صدمت سيارة رباعية الدفع تجر “جيت سكي”، الطفلة غيثة ذات الأربع سنوات، فأردتها غارقة في دمائها، بين الحياة والموت، وسط ذهول العائلة والمصطافين.
حادثة الطفلة غيثة.. من لحظات الفرح إلى جرح لا يندمل
لم يكن والد غيثة يتخيل أن ثواني معدودة قضاها بعيداً عن ابنته الصغيرة، قد تكون كافية لتحول حياته إلى كابوس دائم. بينما كان يحفر لها حفرة صغيرة للعب بالرمال، توجه لشرب الماء، وعاد ليجد فلذة كبده ممددة على الأرض، بجمجمة مهشّمة.
ووسط صدمة لا توصف، حملها مسرعاً إلى أقرب مصحة، حيث أكدت الفحوصات الأولية وجود كسور عميقة في الجمجمة، تطلبت تدخلاً جراحياً دقيقاً وفورياً، لإنقاذ حياتها الهشة التي تتشبث بخيط أمل رفيع.
المال مقابل العدالة.. الجرح الثاني
لكن الجرح الجسدي لم يكن الأكثر قسوة. بحسب رواية الأب المكلوم، فإن أفراداً من عائلة المتسبب في الحادث لم يتصرفوا بما يمليه الحد الأدنى من الإنسانية أو المسؤولية، بل واجهوه بكلمات صادمة: “عندنا الفلوس”.
رد لم يكن مجرد استعلاء، بل إعلان ضمني لامتلاك مفاتيح الإفلات من العقاب، وكأن العدالة يمكن شراؤها، وكأن أرواح الأطفال لا تساوي أكثر من ورقة مالية.
عائلة الطفلة غيثة تنزف وجعاً.. وألم لا يُقاس
تمر الأيام ثقيلة على عائلة الطفلة غيثة. لم تعد الرضيعة الصغيرة ترضع منذ وقوع الحادث، تعبيراً طفولياً عن فقدان الأمان، بينما تعيش الأم في حالة من الصدمة العصبية لا تجد لها سبيلاً للعلاج.
أما الأب، فلا يستطيع دخول البيت دون أن تنهار روحه، إذ كانت غيثة هي من تستقبله كل مساء عند الباب.
العائلة لا تطلب تعويضاً مادياً ولا تسعى للوساطة. مطلبهم الوحيد بسيط في ظاهره، عظيم في معناه: العدالة.
أسئلة تتجاوز الحادث.. هل للمال سلطة فوق القانون؟
تُعيد هذه المأساة طرح أسئلة وجودية حول منظومة العدالة في المجتمع المغربي.
هل يُمكن أن يُفلت الجاني من العقاب فقط لأنه “يملك المال”؟
هل تساوي دماء الأبرياء ميزان العدالة أمام النفوذ؟
وأين القانون حين تتحول الرفاهية إلى آلة قتل؟
ففي الوقت الذي يُمنع فيه قانوناً استعمال المركبات البحرية وجرها داخل الفضاءات العامة المخصصة للسباحة، لا تزال ثقافة الإفلات من المسؤولية تحاصر ضحايا مثل غيثة، وتُغلف الحوادث الجسيمة بستار من العلاقات والنفوذ والمال.
قضية رأي عام تنتظر موقفاً حاسماً
تحوّلت قضية غيثة إلى قضية رأي عام، وأثارت موجة من الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طالب آلاف النشطاء بمحاسبة المتورطين دون تمييز أو تساهل، ومنع استغلال النفوذ للتلاعب بمسار العدالة.
ويرى حقوقيون أن القضية تمثل اختباراً حقيقياً للقضاء المغربي، في مدى استعداده لإنصاف الضحايا بعيداً عن الحسابات الطبقية والمادية.
العدالة فوق كل اعتبار
في زمن تزداد فيه الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، يتعين على الدولة أن تؤكد مجدداً أن القانون يساوي بين الجميع، وأن أرواح الأبرياء لا تخضع للمزايدة.
الطفلة غيثة لا تملك صوتاً لتطالب بحقها، لكن صراخها، الذي دوى يوم الحادث، لا يزال يتردد في الضمائر، منتظراً أن يترجمه القضاء إلى حكم يعيد الثقة في دولة القانون.